للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرتبة المشيئة]

والمرتبة الثالثة: مرتبة مشيئة الله سبحانه وتعالى الشاملة العامة لكل شيء، وتسمى المشيئة أو الإرادة، فالله سبحانه وتعالى شاء كل ما يقع في هذا الملكوت مشيئة مطلقة، وليست مشيئة خاصة، فلا يقع في ملكه إلا ما شاء، والمشيئة مشيئتان، والإرادة إرادتان، إرادة شرعية متعلقة بالمحبة والرضا، أي: بمحبة الله عز وجل ورضاه عن هذا الفعل، وتشريعه إياه وإلزامه العباد به، وإرادة كونية قدرية، أي: أنه لا يقع في الكون ما لا يرضاه الله عز وجل، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد وقوعه، ولكنها إرادة ومشيئة كونية، لا إرادة ومشيئة شرعية دينية.

قال: فالله سبحانه وتعالى شاء كل ما يقع في هذا الملكوت مشيئة مطلقة، حتى كفر الكافر شاءه الله عز وجل كما قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام:٣٥].

وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:١١٨].

وشاء ذلك لحكمة يعلمها، أي: شاء الله عز وجل مشيئة قدرية كونية أن يكفر الكافر وأن يفسق الفاسق لحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، فشاء تعالى وقوع المعاصي في الأرض لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها.

وقد اشتبه هذا الأمر عند بعض الناس فقالوا: كيف يشاء الله الكفر ويشاء العصيان، وهو يقول: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥]، ويقول: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]؟

و

الجواب

أن المحبة في قوله: ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) محبة شرعية دينية، وأما قوله: ((وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)) أي: أن الله تعالى كره الكفر وذمه، وكره الفساد وذمه وحذر منه، ووقوعه في ملكه يدل على أن الله تعالى إنما أذن في وقوعه إذناً كونياً قدرياً لا إذناً شرعياً دينياً.

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى له مشيئة عامة لكل ما يقع في الكون، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩].

وحتى أنت -أيها الإنسان! - لك مشيئة ولكنها مندرجة ومرتبطة بمشيئة الله عز وجل، ومشيئة الله فوق مشيئتك، وإذا لم يؤمن العبد بذلك لا يعد من المؤمنين بالقضاء والقدر.