[إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه من الأسماء والصفات وما أثبته له رسوله]
القاعدة السابعة: أن نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه، والكتاب هو: كلام الله عز وجل الذي تكلم به على الحقيقة، وسمي كتاباً لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب مع الحفظة البررة، ومكتوب في المصاحف التي بين أيدينا.
فنثبت له ما تكلم به سبحانه وتعالى وأثبته لنفسه في كتابه وفي قرآنه، وكذلك نثبت له عز وجل ما أثبته له رسوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكلم وفعل وأقر بالوحي، فنثبت لله تعالى ما أثبته له رسوله عن طريق القول وعن طريق الفعل وعن طريق الإقرار.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو كثير جداً في السنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ربنا الله الذي في السماء).
فهنا أثبت الفوقية والعلو لله عز وجل، (تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض).
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يحلف كان يقول: (لا ومقلب القلوب).
وكان يقول: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).
فهذا فيه إثبات الصفات لله عز وجل من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفعل فهو أقل من القول دائماً، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم لربه صفات عن طريق الفعل، وهي أقل من التي أثبتها عن طريق القول، وذلك مثل إشارته صلى الله عليه وسلم إلى السماء يستشهد الله على إقرار أمته بالبلاغ، فقد قال لهم في حجة الوداع في آخر الخطبة الطويلة: (وإنكم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: لقد بلغت وأديت يا رسول الله! فأشار إلى السماء بالسبابة، وقال: اللهم اشهد اللهم اشهد).
فأشار إلى السماء إلى الله عز وجل ونكس بيده إلى الأرض إشارة على إقرار الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأمانة وأدى الرسالة، ورفع يده إلى السماء ثلاث مرات وقال: اللهم اشهد، أي: اشهد على هذه الأمة أن يقولوا يوم القيامة: ما أتانا من بشير، وما أتانا من نذير.
فأثبت العلو والفوقية لله عز وجل عن طريق الإشارة.
وجاءه رجل وهو يخطب على المنبر وقد أصاب المدينة قحط وجدب، فقال: (يا رسول الله! ادع الله لنا أن يغيثنا بالماء -أو قال: بالمطر- فقد هلك الزرع والضرع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء يستمطر ويدعو الله عز وجل أن ينزل الغيث، فلما حضرت الجمعة المقبلة دخل ذلك الرجل وقال: يا رسول الله! ادع الله تعالى أن يرفع عنا ذلك، فقد هلك الزرع والضرع -أي: من كثرة الماء- فرفع يديه إلى السماء وفعل مثلما فعل في الجمعة الماضية، فما نزل حتى رفع الله تعالى الماء، وصارت السماء صحواً وفيها الشمس).
فهذا يدل على إقراره عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى في السماء، ولو كان الله تعالى في الأرض بذاته للزم من ذلك أن ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأرض.
ولا يزال عوام الناس إذا دعوا الله عز وجل توجهوا إلى السماء.
وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه لما لطم الجارية على خدها استعظم ذلك الأمر، فظن أن له توبة على يد النبي صلى الله عليه وسلم فذهب يسأله عن ذلك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجارية وقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء) فلم يقل لها: نعم، هو في السماء، وإنما سكت، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم إقرار؛ لأنه لا ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسكت على باطل؛ لأنه لو رأى رجلاً يتكلم أو رأى رجلاً يفعل فعلاً وسكت عنه فإن ذلك ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك الصحابة كانوا يقولون: كنا نفعل كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلماء الحديث يقولون: إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم المرفوع، وكأنه من قول النبي عليه الصلاة والسلام أو من فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا يسكت عن باطل أو منكر.
فنثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله عن طريق القول والفعل والإقرار.
وأسماء الله الحسنى هي التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وآمن بها جميع المؤمنين، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠].
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].
وقال تعال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:٨].
وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا