اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، كيفما أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل، والكلام هذا في غاية الأهمية، فلو أنه نقض عهد أمان أو ميثاق أمان، فهذا نسميه غدراً.
إذاً: الأول: خدعة.
والثاني: غدر.
ومن الأمثلة على الخدعة في الحرب: الإغارة على العدو بياتاً أو صباحاً، فيأتي المسلمون صبحاً، وليس هناك مجال إلا التسليم ورفع الراية، وذلك بالدخول عليهم من غير إنذار سابق، وقد سبق لهم العلم بالإسلام فلم يدخلوا فيه، وأنتم تعلمون أن مذهب الجماهير بجواز الإغارة على العدو ما دامت الدعوة قد بلغته، ولا يلزم الإنذار الخاص، فحينئذ يجوز التبييت أو التخضيع أو الإغارة ليلاً أو نهاراً بغير إذن، وهذا من باب الخدعة.
مثال آخر: أن يرسل أمير الجيش إلى العدو: لقد أتيناكم في ألف بعير وخمسمائة فرس، ونحن قادمون إليكم وسنفعل بكم كيت وكيت وكيت، وفي حقيقة الأمر معهم مائة ألف بعير، وهو في رسالته لم يكذب، بل بالفعل أتى ومعه ألف بعير وزيادة، فرتّب العدو جيشه على اعتبار أن جيش المسلمين هو جيش العدو بالنسبة لهم.
كذلك حفر الخنادق خدعة حتى إذا أتى العدو وقع في الخندق، وغير ذلك من الخدع التي يصطنعها الناس في حروبهم، فالحرب خدعة إلا أن يكون في هذه الخدعة نقض عهد أو أمان فلا يحل حينئذ.
مثال ذلك: أتيت العدو وأخذ مني عهداً وميثاقاً أن يكون بيننا هدنة عشر سنوات، فقمت أنا بالقتال في العام السابع أو الثامن أو التاسع دون أن ينقض العدو العهد، فهذا لا يحل في الشرع، وإنما يحل الحرب بعد انتهاء المدة المعروفة بيننا، أما في أثناء العهد والأمان فلا يحل بحال إلا إذا نقض العدو العهد أو الميثاق، فحينئذ لم يأت الغدر من قبلي، وإنما أتى من قِبله.