[وجوب إقامة البينة لإقامة حد الزنا]
قال: (وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول).
وهذا احتراز من القلة وليس من الكثرة، فلا يمنع أن يشهد خمسة أو ستة أو عشرة، بل هذا أوكد لتيقن وقوع الجريمة، لكنه لو شهد ثلاثة أو اثنان وإن كانوا من أعدل الناس لا يقام الحد إلا على زان شهد عليه أربعة، وهؤلاء الأربعة ذكور؛ احترازاً من النساء.
ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم.
قال: لا بأس أن يشهد رجلان وأربع نسوة، أو يشهد ثلاثة وامرأتان، أو واحد وست من النساء، أو ثمان من النساء.
وهذه مظاهرة، إذا إن القرآن حدد أربعة شهداء والسنة حددت أربعة شهود، والشاهد يشترط فيه أن يكون ذكراً، كما يشترط فيه أن يكون عدلاً؛ احترازاً من شهادة الفاسق أو الكافر من باب أولى.
فشهادة الفاسق لا تصح وليس عليها العمل في هذا الجرم أو في هذه الفاحشة، فإنه يشترط فيها العدالة, والعدالة باختصار هي: ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.
ومنهم من عرف العدالة بعدم اقتراف كبائر الذنوب، وترك الإصرار على الصغائر.
يعني: لا يكون قد ارتكب كبيرة ولا أصر على صغيرة.
هذا تعريف آخر للعدالة، وهناك تعريفات أخرى غير ما ذكرناه، وأرجح التعريفات فيها: أنها ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.
وهذا تعريف الحافظ ابن حجر لمعنى العدالة.
قال: (وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا).
يعني قالوا: رأينا بأعيننا الإيلاج؛ فإنه لا يكفي أن رجلاً قبَّل امرأة، ولا يلزم من هذا أنه يكون قد باشرها أو جامعها، ولو فاخذها ولو نام معها في لحاف واحد لا يلزم من ذلك أن يكون قد جامعها، وهذا شيء في غاية القبح وفي غاية الخسة والنذالة، لكن هناك فارق عظيم جداً بين هذا الشيء القبيح وبين ترتب إقامة الحد عليه؛ لأن إقامة الحد لا يقام إلا على من زنى حقيقة، وشهد الشهود أنه قد أولج في المرأة حقيقة، وأنهم رأوا ذلك بأعينهم.
فمثلاً: هب أن ثلاثة شهدوا عند القاضي أو الوالي أو النائب أنهم قد رأوا الإيلاج بأعينهم، فعلى القاضي أن يقيم على الشهود حد القذف؛ لأن النصاب لم يجتمع، وأعراض الناس مصانة أن تدنس، وهذا فيه أعظم زاجر للناس ليكفوا ألسنتهم عن الخوض في أعراض الآخرين حتى ولو كانوا كفاراً؛ لأنه لا يحل لنا أن نتهم الكفار بتهمة لم يرتكبوها، وهذا من عدالة الإسلام؛ فإنه لم يأذن بذلك.