للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صفات المنافقين إظهار الاستغناء عن أهل الإيمان والإعراض عنهم]

الصفة الثانية: ولما دعاهم ليستغفر لهم لووا رءوسهم، فهم يظهرون الاستغناء عن أهل الإيمان بالإعراض، أو بصرف الخد، أو بالغمز واللمز، أو بالنظر الخفي الذي هو خافية الأعين، وكل هذه الصفات والعلامات إنما هي صفات وعلامات وأمارات للمنافقين.

قال: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] (خشب) جمع: خشبة، أي: العظيمة من الخشب مسندة إلى الحائط، وكذلك كل من لم يكن مسلماً، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤].

وربما خطر ببال أحد منكم سؤال وهو: لماذا نقل زيد بن أرقم هذا الكلام إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ أليست هذه من النميمة فعلاً، ونحن نعلم أن النميمة إنما هي نقل الكلام على جهة الإفساد؟

و

الجواب

من وجهين: الوجه الأول: أن زيد بن أرقم إذا كان يعلم أن عبد الله بن أبي ابن سلول من المنافقين فيلزم من ذلك نقل الكلام إلى الأمين والسيد والسلطان والحاكم حتى يحذره، لغلبة الظن، ووقوع المضرة على أهل الإيمان، ولذلك زيد بن أرقم لم يخبر آحاد الناس، وإنما ذهب إلى الإمام المعظم صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان من أمر الجند من كلام يضر باستقامة الحال.

الوجه الثاني: إذا كان لا يعلم سابقاً أنه من المنافقين فيكون قد غلب على ظنه لما سمع منه هذا القول أنه من المنافقين، فخشي ألا يكون النبي عليه الصلاة والسلام عنده علم بنفاق هذا المنافق، فأخبره حتى يحذره الإمام.

وفي هذا مصلحة عامة للإسلام والمسلمين، ولا يمكن قط أن تدانيها أو تقاربها مضرة النميمة بين اثنين، ولذلك لما غلبت المصلحة كان يجب عليه إذا سمع هذا الأمر فيما يتعلق بالإمام أو نحوه من كبار ولاة الأمور، ويخاف الضرر على المسلمين أن يبلغ هذا الكلام؛ ليحترز منه الإمام.

كما أن هذا الكلام فيه منقبة عظيمة جداً لـ زيد بن أرقم، وأن الله تبارك وتعالى أنزل تصديقه من فوق سبع سماوات، وبين براءته من الكذب، وأنه صادق مصدق، وتصديق الله تعالى لـ زيد بن أرقم دليل على محبة الله تبارك وتعالى لأصحاب نبيه، وأن محبة الله تعالى مع المؤمنين معية خاصة بالرعاية والعلم والسمع والبصر والإحاطة والنصرة والتأييد، كل ذلك إنما تم في لحظات في أثناء جهاده عليه الصلاة والسلام، وكان مع المجاهدين هؤلاء المنافقون.