للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة من تصحيفات القراء]

فـ يحيى بن يعمر له الفضل علينا جميعاً، فإذا قرأنا القرآن عرفنا النون من الباء ومن التاء ومن الثاء، وعرفنا الجيم من الحاء ومن الخاء، وعرفنا ننطق حروف القرآن كلها، وهذا أمر غلط فيه كثير من الناس في الأزمنة المتقدمة، حتى قيل: إن أحد الناس قرأ أمام أبيه القرآن فقال: الم ذلك الكتاب لا زيت فيه، فقال له: يا بني! على من قرأت؟ قال: لم أقرأ عند أحد، لقد قرأت واجتهدت، فقال له: دع الكتاب واذهب إلى الكُتَّاب، فأنت ليس لك أن تقرأ، ولذلك كان العلم عند السلف يؤخذ عن طريق التلقي، ولا يقرأ الشخص وحده من الكتاب إلا إذا لم يكن له باب إلا هذا، كأن يفقد الشيخ والمعلم، وأما إذا وجد الشيخ فكان يحرص على أن يبرك عند ركبه ويتعلم منه.

وقد ذكر الحافظ البغدادي طرفاً من أخبار المصحفين في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عن أبي العباس بن عمار الكاتب: انصرفت من مجلس عبد الله بن عمر بن أبان القرشي المعروف بـ مشكدانة، قال: فمررت بـ محمد بن عباد بن موسى الذي هو سندولا، فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي عبد الرحمن مشكدانة، فقال: ذاك الذي يصحف على جبريل عليه السلام؟ يريد قراءته: ولا يغوث ويعوق وبشراً؛ لأن نسراً وبشراً لو حذفت النقاط من فوقها وتحتها فستنطق بشراً وتنطق نسراً.

وهذا هو التصحيف.

فالتصحيف هو بقاء الكلمة كما هي في الحروف، ولكن النقط يختلف، بخلاف التحريف.

قال الحسن بن الحباب المقرئي: إن عبد الله بن عمر بن أبان مشكدانة قرأ عليهم في التفسير: ولا يغوث ويعوق وبشراً، فقيل له: إنما هو: {وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:٢٣].

فقال: هي منقوطة بثلاثة من فوق، فقيل له: النقط غلط، فقال: إذاً أرجع إلى الأصل الذي معي، لأرى وأراجع نفسي مرة أخرى، وهذا لا شك أنه كلام خرج مخرج الجهل بكتاب الله.

وقال محمد بن جرير الطبري: قرأ علينا محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف جداً في الرواية فضلاً عن القرآن الكريم، فقال: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يجرحوك، وهي في القرآن: {أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:٣٠].

فحذف النقطة من فوق ووضعها تحت فقال: أو يجرحوك.

وقرأ الباغندي قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:٦٣]، قرأها: هوياً.

ولم يحك عن أحد من المحدثين أنه صحف أكثر مما حكي عن عثمان بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة هو أخو عبد الله المعروف بـ أبي بكر بن أبي شيبة صاحب المصنف.

وقيل: إنه لم يكن حفظ القرآن، وكانت هذه سبة في حقه.

قال السبري: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقرأ: فإن لم يصبها وابل فظل، وقرأ مرة: الخوارج مكلبين، وهي {الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة:٤]، وقرأ مرة: وإذا بطاسيم طاسيم خبازين، فقيل له: أنه: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:١٣٠].

وقال ابن المنادي: كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا فقال: {ن وَالْقَلَمِ} [القلم:١] في أي سورة هي؟ قال ابن أرومة الأصبهاني: قرأ عثمان بن أبي شيبة: وجعل السقاية في رجل أخيه، فقيل له: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف:٧٠]، فقال: تحت الجيم واحدة، -يعني: نقطة- فكيف أرجع إلى قولكم وأترك النسخة التي عندي؟! وقال إبراهيم الخصاف: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير: فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة في رجل أخيه، فقيل له: إنما هي: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف:٧٠]، فقال: أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لـ عاصم! وقرأ عثمان بن أبي شيبة: فضرب بينهم بسنور له ناب، فقال له بعض أصحابه: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد:١٣]، فقال: أنا لا أقرأ لـ حمزة، قراءة حمزة عندنا بدعة، فلم يستح ولم يخجل، مثل الذي حدث بأحاديث مكذوبة عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وظل يقول: حدثني يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويأتي من عنده بأحاديث موضوعة، ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل في المجلس يسمعان، وكل واحد منهما ينظر إلى صاحبه باستغراب، ويقول: هل حدثته بهذا؟ فيقول: لا والله ولا أعلم عن هذا شيئاً، فلما أخذ النوال ممن سمع منه نادى عليه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل