للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم دخول الكافر المسجد]

يقول النووي رحمه الله: (في هذا الحديث جواز ربط الأسير وحبسه، وجواز إدخال المسجد الكافر).

أي: جواز إدخال الكافر في المسجد.

(ومذهب الشافعي جوازه بإذن مسلم، سواء كان الكافر كتابياً أو غيره).

أي: أن مذهب الشافعي يقول: الكافر يدخل المسجد، لكن لا يدخله إلا بإذن مسلم، وباتفاق أهل العلم أن حمامات المساجد ليست من المساجد، وكذلك الأماكن الملحقة بالمسجد ليست من المسجد، فلا بأس أن يدخلها الكافر، ولا بأس بدخوله المسجد أيضاً، فالمسألة محل نزاع وخلاف بين أهل العلم، لكن الراجح: جواز دخوله، فلو أنه لا يمكن وصوله إلى الحمام إلا بالدخول من المسجد فلا بأس بذلك، لكن مذهب المالكية يقول: لا يجوز.

نقول: لو كان لا يجوز مطلقاً فلِم أدخل النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة في المسجد وربطه؟ ألم تعلم أن الأعراب كانوا يأتون فيربطون إبلهم خارج المسجد ويدخلون؟ كذلك الرجل الذي بال في المسجد.

وفي رواية البخاري: أنه أتى فربط بعيره في المسجد.

وفي رواية: خارج المسجد ودخل فبال، أي: بمجرد أن دخل بال.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه أن يربط هذا الكافر أو المشرك خارج المسجد، ولعله في يوم من الأيام تصيبه كلمة.

أي لو أن نصرانياً دخل الحمامات فبلا شك أنه سيستغرق وقتاً في الدخول والخروج وقضاء الحاجة، وربما سمع كلمة فكانت فيها هدايته، فلا بأس بذلك.

وعلى أية حال فأصل القول بالجواز هو هذا الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة في المسجد، وكان بإمكانه أن يربطه في أي مكان آخر ولو في بيت أحد من أصحابه، أو أن يؤدبه بأي طريقة شاء لو كان دخول الكافر المسجد لا يصح بكل حال.

ثم لا يقال: إن فلاناً يدخل ويخرج ويدخل ويخرج، فإن ثمامة بن أثال مكث ثلاثة أيام في المسجد، وليس مروراً ولا عبوراً، وإنما مكث وإقامة.

ومذهب الشافعي: جوازه بإذن مسلم.

وأتى الشافعي بهذا الشرط من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بربطه في المسجد، والأمر بمعنى الإذن.

قال: (وقال عمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك: لا يجوز).

أي: لا يجوز دخول الكافر المسجد.

قال: (وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يجوز لكتابي دون غيره).

يجوز لكتابي أي: ليهودي أو نصراني ولا يجوز للمشرك.

وثمامة كان مشركاً ولم يكن كتابياً.

قال: (ودليلنا على الجميع هذا الحديث) فكأن الإمام النووي يقول: وكل هذه الأقوال غير صحيحة، والصحيح: الجواز، ودليلنا على الجواز هذا الحديث، فإما أن يرد الجميع هذا الحديث، أو أن يقبلوه.

ولا يحل لهم أن يردوه؛ لأنه ثابت فلا يبقى لهم إلا القول بمقتضى هذا الحديث وهو جواز الدخول.

وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:٢٨] فهو خاص بالحرم، ونحن نقول: لا يجوز إدخاله الحرم.

أي: أن الحرم المكي له خاصية تختلف في بعض الأحكام عن بقية المساجد.