[شرح حديث حذيفة بن اليمان في غزوة الأحزاب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي - قال زهير: حدثنا جرير عن الأعمش سليمان بن مهران عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: (كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت.
فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟)] وهذا ما نحدث به أنفسنا الآن.
فالواحد منا حينما يسمع عن غزوة الأحزاب، وما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البلاء يتمنى لو أنه كان معهم، وهو في الحقيقة لو كان معهم لكان أول المخذولين، وربما يكون سبب الهزيمة.
هل كنت تستطيع على فعل مثل هذا؟ لو علم الله فيك خيراً لجعلك من أهل القرن الأول وجعلك من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد أن أطهرهم قلباً هو قلب محمد عليه الصلاة والسلام فاصطفاه لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد فوجد أن قلوب أصحابه أطهر القلوب فاصطفاهم لصحبته، فهم أعظم الناس عبادة، وأقل الناس تكلفاً، وأكثر الناس علماً إلى غيرها من الأوصاف التي ذكرها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
سمع حذيفة رجلاً يقول: لو أني مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكنت فعلت كذا وكذا وكذا، وكنت سأنصره نصراً مؤزراً.
قال حذيفة: أنت كنت تفعل شيئاً من ذلك؟ وكأنه يريد أن يقول له: هل أنت متصور أنك لو كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم لكنت أشد بلاءً وأكثر تحملاً من أصحابه؟ لا والله لا يكون، فالصحابة رضي الله عنهم قد بذلوا المهج، بذلوا النفس والنفيس والغالي والرخيص في سبيل نصرة النبي عليه الصلاة والسلام وتعزيره وتأييده، وفي سبيل رفع راية التوحيد، وقد خدموا دينهم أعظم خدمة، قدموا فيه الولد والوالد والمال، وقدموا فيه كل شيء، كان كل واحد منهم إذا تعارض دينه أو ما يملك من المال والأهل والنفس والولد مع الدين قدم الدين، وهذا فارق جوهري بيننا وبين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
قال حذيفة: (أنت كنت تفعل ذلك؟).
وهنا الإمام مسلم ما أراد أن يذكر الغزوة بجميع تفاصيلها، ولكنه أراد أن يذكر مشهداً واحداً من مشاهد البطولة والشهامة والإيمان لأصحابه عليه الصلاة والسلام.
قال حذيفة: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر) والقر هو: البرد.
وهذا يدل على أن هذه الغزوة كانت في الشتاء.
قال: [(لقد أخذتنا ريح شديدة وقر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟)].
أي: هل هناك عين؟ والعين يجعلها اللغويون من ألفاظ الاشتراك، أي أن لها معانٍ متعددة، ويفهم معناها المراد من السياق، فعندما تقول: شربت من العين، فالعين هنا: عين مائية.
وعندما تقول: نظرت بالعين فالعين هنا العين المبصرة.
وعندما تقول: أرسلت عيناً ليأتيني بالأخبار.
فالعين هنا المقصود به: الجاسوس وهكذا فالعين من الألفاظ المشتركة التي لها معانٍ متعددة، ويفهم المعنى المراد من السياق.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(ألا رجل يأتيني بخبر القوم؟)] أليس فيكم أحد مستعد لأن يذهب ويتجسس على العدو، ويأتيني بالأخبار؟ قال: (فلم يجبه أحد)]؛ وذلك لوجود البرد والرياح الشديدة والظلام.
قال: [(فسكتنا)] طبعاً يسكتون على مضض، فهم يريدون هذه الدرجة لكن ليس باستطاعتهم دفع الثمن، فالرياح شديدة جداً والبرد شديد كذلك.
قال: [(فلم يجبه منا أحد.
ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا.
فلم يجبه منا أحد، فقال: قم يا حذيفة!)].
فهل يسع حذيفة أن يقول: اعذرني يا رسول الله! وابعث محمد بن مسلمة أو ابعث المغيرة بن شعبة، أو أبو بكر هو خير الناس فابعثه؟ لا.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:١] حينئذ يحرم على أحد أن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، يحرم عليك أن ترد على سنته، أو تؤولها على غير ما يحتمله النص، أو تلحد في أسماء الله تعالى وصفاته، أو تصرف كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن مراده كما يفعله الملاحدة الآن والمجرمون والعلمانيون.
ما سمعنا الشافعي قال لـ أحمد بن حنبل: أتحداك، أو أحمد قال للشافعي: أتحداك.
أو إماماً قال لإمام: أتحداك.