للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث ابن عباس في وجوب طاعة الأمير]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني زهير بن حرب وهارون بن عبد الله -وهو المعروف بـ هارون الحمال - وهو أيضاً أبو موسى البغدادي البزاز - كلاهما قالا: حدثنا حجاج بن محمد -وهو أبو محمد المصيصي الأعور وهو ترمذي الأصل نزل بغداد ثم استقر بالمصيصة ونُسب إليها- قال: قال ابن جريج: (نزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية)].

أي: بعثه أميراً على سرية فنزلت هذه الآية فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ} [النساء:٥٩]، فالآية ليس فيها إفراد أولي الأمر بطاعة، وإنما فيها إفراد الله بالطاعة، وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعة، وعطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله ورسوله؛ وذلك لأن الله لا يأمر إلا بطاعة، ولا يأمر إلا بحق، ولا ينهى إلا عن خبيث، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وللنبي حق الأمر ابتداءً دون وروده في القرآن، وكم من تشريع استقل به النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك طاعته واجبة مع طاعة الله عز وجل، فالشرع إما ورد في القرآن، وإما ورد في القرآن والسنة، وإما ورد في السنة فحسب، فالنبي صلى الله عليه وسلم واجب الطاعة وإن لم يكن أمره الذي أمر به في الكتاب؛ لأن الله تعالى جعل لرسالته خصوصية، فالأمر أحياناً يأتي في القرآن فحسب، وأحياناً تجد أدلة الأمر في القرآن وفي السنة معاً، كما لو ذكرنا أي مسألة قلنا: ودليل هذه المسألة في الكتاب والسنة والإجماع، أو في الكتاب والسنة، أو دليل هذه المسألة في السنة فحسب، أو دليل هذه المسألة الإجماع فحسب وهكذا.

فالسنة لها حق الاستقلال عن الكتاب، وهذا فيه رد على من يزعم التمسك بالقرآن دون السنة، ويحتج بظواهر بعض الآيات، كقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨] ولا شك أن مرد كل ما استقلت بها السنة إلى كتاب الله إلى عمومات الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يطيع النبي عليه الصلاة والسلام فهو في الحقيقة طائع لله تعالى، وحينما كان هذا الأمر مفقوداً عند أولي الأمر عطف الله تعالى طاعتهم على طاعته وطاعة رسوله، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ} [النساء:٥٩] فإذا كان أولي الأمر يأمرون بما أمر به الله فطاعتهم حينئذ واجبة، لا لكونهم ولاة أمر، ولكن لكونهم أمروا بما أمر به الله، وكذلك طاعتهم معطوفة على طاعة الرسول، ولم يكن لهم طاعة مستقلة، ولو كانت لهم طاعة مستقلة بعيداً عن الكتاب والسنة لكان الأولى أن يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر.

أي: بأي أمر يأمرون، وعن أي نهي ينهون، ولكنه سبحانه وتعالى بيّن أن طاعة ولاة الأمر في هذه الآية مرهونة بالأمر بطاعة الله وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.

قال: [قال ابن جريج: (نزل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي.

بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية)].

والمعلوم أن السرية: هي القطعة من الجيش يرسلها الأمير لأداء مهمة عسكرية أو حربية أو قتالية ليس فيها الأمير العام، فإن وجد الخليفة العام والأمير العام في سرية سمي جيشاً لا سرية، فالسرية: هي التي ليس فيها الأمير، والجيش: هو الذي فيه الأمير.

قال ابن جريج: [أخبرنيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].

انظروا إلى هذا الإسناد العجيب! ابن جريج كان حقه أن يقول: أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي.

بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، ولكن الإمام مسلم جزّء الإسناد على مرحلتين، توقف عند ابن جريج وقال: نزل قوله تعالى كذا وكذا في عبد الله بن حذافة السهمي.

أخبرني بهذا ي