للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الخصال التي يدعى إليها المشركون قبل قتالهم]

قال: [(وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)] أي: إذا دعوتهم إلى الأولى فقبلوا ذلك منك فاقبل منهم وكف عنهم.

أي: لا تقاتلهم.

قال: [(ثم ادعهم إلى الإسلام)] (ثم) هنا زائدة أو ابتدائية، وهي بداية الثلاث خصال.

فالخصلة الأولى: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام.

قال: (فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم) أي: كف عنهم قتلك فيهم، أي: لا تقتلهم إن هم أجابوك إلى هذه الخصلة الأولى.

قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام) أي: أن يقولوا: أسلمنا، نشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، فحينئذ لا يجوز قتلهم، فمن قتلهم كان بمنزلتهم قبل أن يقول هذه الكلمة، كما جاء في حديث الأسود بن يزيد أنه قال: (يا رسول الله! أرأيت إن قاتلت مشركاً أو كافراً فقام فقطع يدي بالسيف، فلما أمكنني الله منه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أو قال: أسلمت، أفأقطع يده يا رسول الله؟! قال: لا.

قال: يا رسول الله! لقد قطع يدي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تفعل.

فإنك إن فعلت كنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال).

وهذا دليل على وجوب قبول ذلك من الكافر إذا أسلم؛ ولذلك قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقتلة عظيمة في غزوة من الغزوات، فلما تمكّن من رجل ووقع السيف منه نطق بالشهادتين، فكفّ عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أما أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقتل رجلاً في الجهاد بعد أن قال هذه الكلمة، وقال: (ما قال ذلك إلا تعوّذاً يا رسول الله!) أي: تعوذ ليهرب من القتل، وما قال ذلك يقيناً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (هل شققت عن قلبه لتعرف ما فيه؟!) وظل يعنّفه حتى قال أسامة رضي الله عنه: ما تمنيت أني أسلمت إلا بعد هذا.

ندم ندماً عظيماً على فعلته التي فعل، ولكن أسامة كان مجتهداً في ذلك؛ ولذلك لم يوده النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يطالبه بالدية.

قال: [(ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)] وهذا السؤال يتوجه به الكثير من الإخوة في الشيشان أو الإخوة في المناطق التي يُرفع فيها راية الجهاد خلافاً لفلسطين؛ لأنه لم يثبت إلى الآن أن يهودياً حينما تعرّض للقتل نطق بالشهادتين؛ وما ذلك إلا لأن الكفر متأصل فيه.

فإخواننا في الشيشان يقولون: الضابط الروسي والعقيد الروسي حينما يقع في الأسر يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكننا متأكدون أنهم يقولون هذا ليهربوا من القتل.

نقول: أنت لست متأكداً، بل أنت ظان، فهو إن كان كاذباً أو مخادعاً فالله تعالى يتولاه: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال:٦٢]، فالذي يدافع عنك في هذه الحالة هو الله عز وجل، فإنه لا يضرك بإذن الله، كما أن هناك إجراءات وقائية لمن غلب على ظنه أنه قال ذلك تعوذاً، جرّده من السلاح، واجعله في خدمة الجيش، يعد الطعام ويعد الشراب وغير ذلك، واجعل المخلص من جندك وجيشك يتقدم في الصفوف، وهذا الذي نطق الشهادتين يؤخذ ويجرب على هذه الأعمال حتى يغلب على ظنك أنه قد استقام على الهدى والإسلام.

[(ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين)].

قوله: (ثم ادعهم إلى التحول) أي: أن يهاجروا، ويتركوا بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وكان في أول الأمر يأمرهم أن يتحولوا من ديار الكفر إلى المدينة المنورة؛ لأن المدينة كانت في ذلك الوقت هي دار الإسلام الوحيدة، وهي دار المهاجرين التي هاجر إليها النبي عليه الصلاة والسلام ومن كان معه من أصحابه، والهجرة واجبة ما بقيت الأيام والليالي من ديار الكفر إلى ديار الإسلام.

وفي هذا الحديث إشارة إلى كراهة الهجرة من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر.

قال: [(فإن هم أجابوك -أي: إلى الإسلام- فادعهم إلى التحول من دارهم إلى ديار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك -أي: إن أسلموا وهاجروا من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام- فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا -أي: من ديارهم التي أوذوا فيها إلى المدينة المنورة- فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين) وأعراب المسلمين فيهم فقراء وفيهم أغنياء، خلافاً لمن خرج من المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل، فالأعراب إذا أخذوا مالاً أخذوا من مال الصدقة ومن مال الزكاة، ولا يأخذون من الغنائم ولا من الفيء.

والغنيمة: هي التي يغنمها الجيش بعد القتال.

والفيء: هو المال الذي يغنمه الجيش بغير قتال.

فإذا كان الأمر كذلك فإن الأعراب في بواديهم لا حظ لهم لا في الغنيمة ولا في الفيء، إنما حظهم في بواديهم في الزكاة والصدقات العامة.

فهؤلاء إذا هاجروا وتحولوا من دار الهزيمة والإغارة