[شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك)]
قال: [حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم] وهو أبو زرعة الرازي الإمام الكبير وهو من أقران الإمام مسلم، وهو من أئمة الجرح والتعديل، بل الإمام مسلم لم يرو له في صحيحه إلا هذا الحديث مع أنه صاحب فضل على مسلم ومسلم كما يقول الإمام الذهبي: كان عنيداً جداً، وكانت به حدة العجم، فلهذا لم يرو عن البخاري حديثاً واحداً مع أن البخاري شيخه.
وفي هذا قصة طويلة لعلكم سمعتموها: أن البخاري لما نزل نيسابور طريداً شريداً بسبب الوشايات التي حدثت عليه بسبب فتنة خلق القرآن، دعاه محمد بن يحيى الذهلي لأن يدخل نيسابور، فلما أشرف على الدخول خرجت إليه نيسابور برجالها ونسائها وأطفالها يملئون الطرقات والشوارع ومداخل البلد يستقبلون الإمام البخاري، فأنزلوه في دار، وإذا بهذه الدار تمتلئ بأهل البلد حتى صعد الناس السطوح فملئوها حتى لم يبق موضع قدم، وطلبوا من البخاري التحديث، فلما حدث ببضعة أحاديث اجتمعت البلد كلها للسماع من الإمام البخاري وفيهم مسلم، والإمام محمد بن يحيى الذهلي قد خلا مجلسه تماماً من الطلاب، فتحرك داعي الحسد في قلب محمد بن يحيى الذهلي وهو يعلم أن البخاري موقفه سليم في مسألة خلق القرآن ولكنه غلبه الشيطان في لحظة ضعف، فوشى بـ البخاري عند حاكم نيسابور وقال: إنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق.
فطرد الإمام البخاري مرة ثانية من نيسابور بسبب هذه الفتنة، وكان الإمام مسلم من أجل تلاميذ محمد بن يحيى الذهلي، فلما انصرف البخاري بعد أن سمع منه مسلم جملة مستكثرة من الأحاديث لمدة دقائق في نيسابور انطلق مسلم ليسمع مرة أخرى من الذهلي، فلما رآه الذهلي شق عليه ذلك فقال: من كان يحضر مجلس البخاري ويقول بقوله لفظي بالقرآن مخلوق فليقم عن مجلسنا.
فعلم مسلم أن هذه الرسالة موجهة إليه وكانت فيه حدة، فقام مغضباً من المجلس وانطلق إلى بيته وأرسل ما كان قد سمعه من كتبه عن محمد بن يحيى الذهلي، وكانت قد بلغت حمل بعير.
فحملها كلها على ظهر البعير ثم أرسل بها إلى محمد بن يحيى الذهلي وقال: لا حاجة لنا في حديثك ولا نحدث كذلك عن البخاري.
ولذلك خطَّأ كثير من أهل العلم الإمام مسلم في تركه الرواية عن الذهلي وعن البخاري في آن واحد.
وقالوا: ولو روى عن الذهلي لروى إلينا علماً كثيراً غزيراً.
وهو كذلك لم يرو عن أبي زرعة الرازي إلا هذا الحديث الذي بين أيدينا، مع أنه وإن كان قريناً له إلا أنه في منزلة شيخه.
قال الإمام مسلم: لما صنفت الصحيح عرضته على أبي زرعة الرازي فما استبعده استبعدته، وما تركه أبقيته.
فالإمام مسلم يعلم قدر أبي زرعة الرازي، وانفراده بالرواية عن أبي زرعة لهذا الحديث يعد دقيقة من دقائق الإسناد عند الإمام مسلم.
قال: [حدثنا ابن بكير -وهو يحيى بن عبد الله بن بكير - حدثني يعقوب بن عبد الرحمن -وهو المدني القاري، نزيل الإسكندرية في مصر- عن موسى بن عقبة المدني - صاحب المغازي - عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: (كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك)].
والفجاءة هي: البغتة.
يعني يأتيك الأمر على غير توقع.
فالإنسان الذي بلغ من العمر ستين أو سبعين أو ثمانين سنة وهو مريض فإنه يزار، فلو سمعنا أنه مات فليس في ذلك شيء من الفجأة؛ لأن الكل يتوقع موته.
أما أن إنساناً شباباً يتحرك بكل حيوية وفتوة وفجأة سمعنا أنه سقط ميتاً، فلا شك أن هذا موت الفجأة وهو من علامات الساعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من هذا، وبين في أحاديث أخر أن هذا من علامات الساعة.