أما الحقوق المالية الثابتة على الميت فإن كان له تركة وجب قضاء الدين حتى وإن أتى الدين على جميع المال، كذلك يخرج من المال ما هو نفقة واجبة للميت كتجهيزه مثلاً، فالتجهيز يقدم، وقد ذكرنا هذا من قبل، فقلنا: الحقوق المتعينة في مال الميت هي: الدين، والدين إما أن يكون لله عز وجل أو يكون للآدمي، فإن كان ديناً لله عز وجل كإخراج الزكاة أو حج الفريضة، فإذا كان قد هيأ نفسه لمثل هذا فأدركه الموت قبل الحج، فهذا دين يجب أن يخرج من ماله، ويحج عنه أحد أوليائه، وإن حج عنه الغير فلا بأس بذلك.
ولهذه المناسبة أردت أن أبين أمراً أنكره بعض الإخوان خاصة الذين يقيمون في مكة، يأتي أناس كثيرون من بلاد الخليج أو من بلاد العرب إلى مكة، ولترفهم وأنفهم من متاعب الحج يجلسون في فنادق خمسة نجوم ويوكلون بعد ذلك من يحج عنهم، وللأسف الشديد نحن رأينا أناساً من مصر يفعلون ذلك، كل همهم أنهم يطوفون أو يعملون عملاً يسيراً، أو يعملون وقتاً دون آخر؛ اتكالاً واعتماداً على أن العروض ستعرض عليهم في أوائل ذي الحجة وأواخر ذي القعدة، وأن هؤلاء العرب يبذلون مالاً كثيراً عظيماً.
فيأتي الواحد منهم ويقول: من يحج عني وله عشرة آلاف ريال، أو خمسة عشر ألف ريال، أو عشرون ألف ريال، فيبادر ضعيف الإيمان إلى قبول هذا المال والحج عن صاحبه، بل قد أتى من يستفتيني في مكة أنه أخرج مالاً من سبعة عشر رجلاً وامرأة في عام واحد ليحج عنهم! فهذه طبقة مترفة مرفهة جداً، تأنف أن تسير مع الناس وأن تعرق مع الناس وأن تقع عين الواحد منها على منظر يؤذي وغير ذلك.
وللأسف الشديد يستغل ذلك بعض الإخوة المصريين، وهذا عمل غير مشروع، فضلاً عن أنه من جهة العرف عمل غير محترم، لكن لو تم ذلك اتفاقاً فلا بأس بذلك، أي لو أنك حججت حج الفريضة، ثم توسم فيك بعض الناس الصلاح والتقوى، فأتوك بغير استشراف منك، وقالوا لك: نريد منك أن تحج هذا العام عن والدنا، وأصروا على ذلك؛ لما يعلمون من صلاحك وتقواك، فلا بأس بالقبول، والأمر ليس تجارة كما هو المشاهد في أرض مكة، إنما هي عبادة محضة؛ فخذ منهم على قدر ما يسمح لأداء الفريضة، فإن انتهى المال فإنه يكفي أن الله تبارك وتعالى يسر لك أداء هذه العبادة، أو مشاركة المسلمين في هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعة السنوية.
وأما الحقوق المالية الثابتة على الميت فإن كان له تركة وجب قضاؤها منها، سواء أوصى بها الميت أو لم يوص، ويكون ذلك من رأس المال، وسواء في ذلك إرضاء الله عز وجل كالحج والزكاة وغير ذلك، أو ديون الآدمي.
فإن لم يكن للميت تركة لم يلزم الوارث قضاء دينه، لكن يستحب له ولغيره، وبعض أهل العلم ذهب إلى الوجوب، والذي يترجح أن الوجوب في حق الابن الغني الذي يملك قضاء دين والده بلا تضرر في نفسه، أعتمد في ذلك على قوله عليه الصلاة والسلام:(أنت ومالك لأبيك)، وهذا اللفظ عام، أي: في حياته وبعد مماته، وأن من حدده بالحياة دون الممات فهذا تحديد بغير نص.