[شرح حديث إصابة النبي صلى الله عليه وسلم في إصبعه في غزوة من الغزوات]
[حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن أبي عوانة -وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري - قال يحيى: أخبرنا أبو عوانة].
وأبو عوانة هذا كان عبداً عند يزيد بن الأسود، فأتى سائل فسأل يزيد بن الأسود أن يعطيه نوالاً فمنعه يزيد.
فقال: أتمنعني؟ والله لأكيدن لك، ثم انطلق فانطلق خلفه أبو عوانة فأعطاه نوالاً حتى يبعد عن سيده، وهذا من منتهى الإخلاص في الولاية، فقال: من أنت؟ قال: أنا أبو عوانة مولى يزيد.
قال: والله لأنصرنك ولأنفعنّك، وفي موسم الحج حج هذا السائل، وحين نزول الناس من عرفة إلى مزدلفة وقف هذا السائل يقول كلما مر فوج: أيها الناس! اذهبوا فهنئوا يزيد بن الأسود، فإنه قد أعتق أبا عوانة، فلما تكاثر الناس على يزيد قال: يا أبا عوانة! ماذا أصنع؟ اذهب فأنت حر لوجه الله.
أرأيتم المكيدة؟! [أخبرنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان قال: (دميت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي: أُصيبت بجُرح -بضم الجيم- وأما بفتحها فهو مقابل التعديل.
فحينما أقول: فلان ضعيف.
فهذا هو الجَرح بفتح الجيم، ولكن حينما أقول: فلان أُصيب في أصبعه.
بمعنى: جُرح.
فالجَرح شيء معنوي، والجُرح شيء محسوس.
قال: [(جُرح النبي عليه الصلاة والسلام في أصبعه في بعض تلك المشاهد فقال: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت)].
وكأنه يريد أن يقول لها: هين جداً أن الواحد يُجرح في سبيل الله.
(هل أنت إلا إصبع دميتِ): أي: جُرحت وسال منكِ الدم، لكن هذا في سبيل الله وهو هيّن.
قال: (وفي سبيل الله ما لقيتِ) وفي رواية: (هل أنتِ إصبع دميتْ وفي سبيل الله ما لقيتْ) فهذا كأنه شعر، لكن العلماء مختلفون في الرجز: هل هو شعر أو لا؟ فقوله: (هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ).
رجز باتفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة).
فإذا كنا قد اتفقنا أن هذا رجز، فهل الرجز من الشعر أم لا؟ بعض أهل العلم قالوا: الرجز شعر.
وجمهور العلماء يقولون: الرجز ليس شعراً، ولا يلزم فيه قواعد الشعر.
فإذا قلنا: إن الرجز ليس شعراً فيلزمنا أن نقول: النبي صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً، ولا يمكن أن يكون شاعراً بالرجز؛ لأنه ليس شعراً، وأسوأ الفروض أن الرجز شعر، فينبغي أن ندافع عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي أثبت ربه بأنه ليس شاعراً فكيف قال الشعر؟ أنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً ينطق بالبيت من الشعر فيصححه له أبو بكر، وهذا يدل على أنه ليس يحسن الشعر عليه الصلاة والسلام.
وبالتالي نقول: إن الشعر المذموم هو الشعر المتكلّف المقصود.
أي: الذي قصده صاحبه وشاعره الذي توفرت فيه أركانه وقواعده، وليس بيت من أبياته عليه الصلاة والسلام قط توفرت فيه هذه الشروط، وإذا توفّرت فينتفي منها قصد الشعر، فلا يكون شاعراً قط عليه الصلاة والسلام وما قرظ الشعر، ولو كان من صناعته ذلك لكان بإمكانه أن يقرظ ملايين الأبيات، فلما لم يكن منه ذلك دل على أنه لا يحسن هذا الباب، فليس شاعراً عليه الصلاة والسلام.
[وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم -وهو المعروف بـ إسحاق بن راهويه - جميعاً عن - ابن عيينة وهو سفيان - عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنُكبت إصبعه)].
نُكبت أي: جُرحت، لكنه كان في غار هل دخل عليه أحد الغار؟ والرواية السابقة تقول: كان في بعض مشاهده، أو كان في بعض تلك المشاهد فجرحت إصبعه فقال: (هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ) فكيف نوفّق بين الروايتين، وأنه كان في بعض المشاهد؟ الجمع: أن الغار يُطلق على الجيش، والجمع من المقاتلين، فقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار.
أي: كان في جيش وجمع من أصحابه المجاهدين في بعض المشاهد، فجُرحت إصبعه عليه الصلاة والسلام.