[مسألة: زنا الجني بالمرأة من الإنس]
لعلكم تعلمون أن بعض النساء في هذا الزمان يظهر عليها الحبل وليس لها زوج، فإذا سئلت عن ذلك قالت: إنما يجامعني القرين.
أي: يجامعني الشيطان، أو يجامعني جني قد لبسني وعشقني وعشقته، وهذا مزلق خطير جداً تدندن به الفاجرات صويحبات الفاحشة ومن درجت على البغاء، وتستند إلى أنها مصروعة أو ملبوسة وأن من صرعها أو لبسها هو الذي يجامعها، ولو فتح هذا الباب على مصراعيه، لادعت كل امرأة أرادت البغاء أن الجني هو الذي يعاشرها وأن هذا فوق طاقتها.
فكيف سيكون الحال؟! فهذا كلام مرفوض، وكلام غير صحيح، فلو أن امرأة واحدة زنت واحتجت بالجن وأقيم عليها الحد لفكرت كل امرأة ألف مرة أن تسلك هذا المسلك أو أن تعتمد على أن الجني هو الذي يجامعها.
وأنتم قد سمعتم هذا، وأنا سمعته مراراً وتكرراً، فلا شك أن هذا باب عظيم جداً وسبب في من أبواب الفاحشة، ولو صدقناه وآمنا به لكان هذا باباً عظيماً جداً وسبب في انتشار الفاحشة في المجتمع.
وعلى أية حال: عقيدتنا أن الجن يصرع الإنس، وأن الإنس يستعينون بالجن فيزيدهم الجن رهقاً، وأننا نؤمن بالجن كما قد آمنا بالإنس، وأن الاتصال قائم بين الإنس والجن ولكن ليس على أساس شرعي.
وهناك فارق عظيم جداً بين إمكانية وقوع الشيء وبين مشروعية هذا الشيء، فإمكانية الفجور بين الإنس والجن قائمة، ويمكن أن يتصل الإنسي بالجني أو الجني بالإنسي، ويكون بينهما من الزنا والفواحش كما بين الجن والجن وكما بين الإنس والإنس، لكن هذا غير مشروع، ونحن نؤمن بالصرع كما نؤمن أن علاجه في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذاً: هناك فارق بين إمكانية الوصال والفجور بين الإنس والجن وبين مشروعية ذلك، فنقول: إن عالم الإنس له خصائصه وله أصوله وله مادته التي تكون منها، وهي تختلف عن مادة الجن، فالله تعالى خلق الجن من نار، وخلق الإنس من الطين، وخلق الملائكة من النور، فهذه ثلاثة مصادر أصيلة مختلفة بعضها عن بعض في أصل تكوين هؤلاء الخلق، فالجن لا يتصلون بالإنس اتصالاً مشروعاً بما يسمى النكاح لاختلاف الطبيعة.
وأما زعم من يزعم أنه متزوج بجنية أو جني يزعم أنه متزوج بفلانة من الإنس فهذا كلام يمكن وقوعه لكنه غير مشروع، كما أن الزنا بين الرجل والمرأة يمكن وقوعه لكنه أمر غير مشروع، ففارق عظيم بين المشروعية وبين إمكانية الوقوع، فالوقوع ممكن، بل ممكن أن تتم الفاحشة بين إنسان وأنثى الكلاب وأنثى الحمير وأنثى الطير وأنثى الوحوش والسباع، لكنه غير مشروع.
فلو زعم إنسان أنه قد تزوج أنثى الكلاب فهذا لا يصح لاختلاف الطبيعتين، ولو زعم أحد أن ذكر الفهد تزوج بأنثى الحمار فهذا غير صحيح لاختلاف الطبيعة، وهكذا اختلاف الطبيعة بين الإنس والجن.
والأصل في الجن الكذب، فلا يُصدقون لأول وهلة، وقد مررنا بأحوال وأطوار كثيرة جداً، وكان من أطرف هذه الأحوال: أن شيخنا الألباني عليه رحمة الله ذهب إليه أحد أصحابنا -وهذا في سنة (١٩٨٤م) أو (١٩٨٥م) - وقال: يا شيخ! أنا أدعوك لعقد نكاحي على امرأة من الجن، فنصحه الشيخ بأن هذا لن يتم ولن يرضى الجن بذلك.
فقال الرجل: بل يرضون، وقد أخذت عليها العهود والمواثيق وغير ذلك.
فقال: إذاً: على بركة الله، شريطة أن تظهر لنا وأن نناقشها وتناقشنا.
فقال: والله أنا أعرض الموضوع عليها وإن شاء الله يكون خيراً، وحدد موعد العقد، وحضرت العروس ولم يرها من الحاضرين أحد قط، فقال هذا الزوج: يا شيخ! والله هي كلما قابلتني أو قابلتها طلبت مني أن أقرأ عليها قرآناً؛ لتسمع وتنعم بالقرآن الكريم.
فقال الشيخ الذكي رحمه الله: ليست العبرة بأن تسمع القرآن إنما العبرة بأن تقرأ هي القرآن، فإذا كانت تتحرج أن تظهر علينا فلا أقل من أن تقرأ هي ونسمع نحن صوتها.
فانصرفت هذه الجنية إلى غير رجعة.
إذاً: بالنسبة للحبل اختلف فيه أهل العلم، فذهب الجماهير إلى أن الحبل وحده لا يقام به الحد سواء كان لها زوج أو سيد، أو ليس لها، وسواء كانت غريبة أو من أهل البلد.
وأما مالك وأصحابه ومن قبلهم عمر بن الخطاب فقالوا: إن الحبل يقوم مقام البينة، أو يقوم مقام الإقرار، وبالتالي يقام عليها الحد، وهذا الذي يترجح لدي: أن المرأة إذا ظهر عليها الحبل ولم يكن لها زوج ولا سيد أقيم عليها الحد.