للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة على جواز حج التمتع]

قال: [قال ابن أبي الشعثاء: أتيت إبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي، فقلت: إني أهم أن أجمع العمرة والحج في هذا العام -يعني: أحج وأعتمر هذا العام- فقال إبراهيم النخعي: لكن أباك لم يكن ليهم بذلك أي: إن أباك ما كان ليعمل هكذا- قال قتيبة حدثنا جرير عن بيان عن إبراهيم التيمي عن أبيه أنه مر بـ أبي ذر رضي الله عنه بالربذة فذكر له ذلك فقال: إنما كانت لنا خاصة دونكم].

قال: [وعن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن المتعة فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش، يعني: بيوت مكة]، يعني: لقد تمتعنا في عام من الأعوام، وكان في ذلك الوقت معاوية بن أبي سفيان كافراً لم يسلم، فهو يقول: معاوية ينكر التمتع لأنه لا يعرف أنه جائز، وكنا نحن تمتعنا وهو ما يزال كافراً وكان جالساً في بيوت مكة لم يسلم، فـ معاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان، وسعد بن أبي وقاص حج في العام السادس من الهجرة، يعني: قبل إسلام معاوية بسنتين، وحج متمتعاً.

والعرش: بيوت مكة، وسميت بالعرش؛ لأنهم كانوا يعرشونها بجريد الأراك أو بجريد النخل.

قال: [قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: قال لي عمران بن حصين: (إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم -يعني: سأحدثك حديثاً اليوم وسينفعك الله عز وجل به بعد ذلك- واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر -يعني: أمرهم بأن يؤدوا العمرة في العشر الأوائل من ذي الحجة- قال: فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي).

يقول له: إن النبي عليه الصلاة والسلام في زمانه أمر قومه أو طائفة من قومه أن يعتمروا في العشر الأوائل من ذي الحجة -يعني: في الشهر الحرام- ومعنى ذلك: أنهم بعد أداء عمرتهم يتحللون ويهلون في يوم التروية بالحج وينطلقون إلى منى، ثم لم ينهه ربه عن المتعة، ولم ينزل قرآن ينسخ هذا الحكم، فكانت المتعة باقية وجائزة، وكان عليها النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن مات، ولما مات جاء كل واحد ينظر إلى شيء، وهو هنا يعرض بسيدنا عمر.

وقد كان الصحابة جبالاً في الأدب، ولا يمكن أن يظهر رجل في الأمة مثل أدنى صحابي في الأدب والوقار والعدالة وغير ذلك، ومع ذلك كان الحق أحب إليه، وعمر بن الخطاب أفضل من ملء الأرض من مثل عمران بن حصين، فهو أفضل الأمة في زمانه.

قال: [عن مطرف قال: قال لي عمران بن حصين: (أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت، ثم تركت الكي فعاد).

وهذه منقبتان لـ عمران بن حصين، الأولى: أنه أدرك التمتع مع النبي عليه الصلاة والسلام، والثانية: أن عمران بن حصين كانت الملائكة تسلم عليه خاصة حتى أصيب بداء فبادر بالكي، وآخر الدواء الكي وليس أوله، فلما اكتوى ولم يصبر على الأذى أو على المرض أو على التداوي فترة طويلة أو غير ذلك وبادر المرض بالكي انصرفت عنه الملائكة فلم تسلم عليه بعد ذلك، حتى تاب من ذلك ورجع إلى ترك الكي، فرجعت الملائكة تسلم عليه، وكان عمران يقول لـ مطرف: لا تحدث عني وأنا حي، أو حدث عني بواحدة واكتم عني الثانية، يعني: حدث عني بمسألة جواز التمتع، ولكن لا تحدث عني وأنا حي بتسليم الملائكة علي.

فـ عمران كان يخشى على نفسه الفتنة، وعلى الناس من أن يفتتنوا به، فقال: واكتم عني هذه ما دمت حياً، فإذا مت وأردت أن تحدث عني فافعل.

قال: [قال مطرف: (بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه، فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عني -يعني: إذا أنا شفيت من هذا المرض فاكتم عني- وإن مت فحدث بها إن شئت، إنه قد سلم علي، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله -أي بنسخ- ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل فيها برأيه ما شاء)].

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (وأحاديث الباب متضافرة على جواز إفراد الحج عن العمرة، وجواز التمتع والقران، ولقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة).