[أقوال العلماء في جواز إخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث]
قال:(واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث) يعني: أنا حلفت ألا آكل طعامك، ثم رأيت بيني وبين نفسي أن آكل الطعام وهو البر والخير، فقلت: أكفر أولاً عن يميني ثم آكل.
فالعلماء اختلفوا، فقال بعضهم: المعروف أن التكفير يكون بعد الوقوع وبعد العمل؛ لأنه يكون قد حنث في يمينه، أما قبل العمل فلم يحصل حنث، والحقيقة أن هذا اجتهاد مع ورود النص؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها؛ فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير)، وفي رواية:(فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه)، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام بهذين النصين قد أجاز لنا الكفارة بعد اليمين وبعد الحنث وقبله فهما سواء، وتكون الكفارة حينئذ لمجرد أن المرء اعتقد أن الخير في غير ما حلف عليه، ولا يلزم من ذلك إتيانه الفعل المخالف لما حلف عليه، حتى تجب عليه كفارة اليمين.
قال:(واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث: فجوزها مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأربعة عشر صحابياً، وجماعات من التابعين، وهو قول جماهير العلماء، لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث) يعني: قالوا بجواز الكفارة قبل الحنث، ولكن بعد الحنث تكون مستحبة.
ثم قال:(واستثنى الشافعي التكفير بالصوم) يعني: الشافعي مع الجمهور في المذهب السابق، لكنه استثنى فقط إذا كانت الكفارة بالصوم، فما هي حجته؟ (فقال: لا يجوز الصيام قبل الحنث؛ لأنه عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها، كالصلاة، وصوم رمضان) يعني: أيجوز أنني أصوم رمضان في شعبان؟ لا يجوز، ولا يجزئ عني، وإذا دخل علي رمضان يجب علي أن أصوم، حتى وإن صمت شعبان كله بنية رمضان، هذا لا يصلح، وهي عبادة ساقطة من الأصل؛ لأنها في غير وقتها، فكذلك إذا كان المكفر ليمينه فقيراً لا يستطيع أن يطعم ولا أن يكسو ولا أن يعتق، فيتعين حينئذ عليه الصيام؛ فلذلك قال: إلا الصيام فلا يصح أن يكون قبل الحنث؛ لأن الحنث هو الوقت الذي يجب بعده الصيام.
ثم قال:(وأما التكفير بالمال فيجوز تقديمه كما يجوز تعجيل الزكاة) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من العباس زكاة ماله معجلة عاماً أو عامين، وأخذها وأنفقها في سبيل الله.
فهذا دليل تعجيل الزكاة، فإذا كان عندك مال وجبت فيه زكاة فلا بأس قبل حلول الحول بعام كامل أن تدفع كل شهر مائة جنيه، إذا كانت هناك حالة تستدعي المساعدة، وهي من مصارف الزكاة؛ فلا بأس أن تدفع لها زكاة مالك عاماً أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، لا بأس بذلك أبداً، زكاة معجلة، أما التأخير فلا يجوز، بدليل أن الزكاة إنما تجب بشرطين: حولان الحول، وبلوغ النصاب، فلا يجوز تأخيرها، وعلى ذلك إجماع أهل العلم.