وعن عائشة رضي الله تعالى عنها:(أنها أتت مع النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع معتمرة، يعني: نوت وأهلت بالعمرة من الميقات، فلما بلغت مشارف مكة دخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تبكي فقال: ما يبكيك يا أم عبد الله! قالت: نفست يا رسول الله! يعني: حضت، فقال: لا تبكي، فإنما هو شيء كتبه الله عز وجل على بنات آدم)، يعني: هذا أمر مكتوب عليكن، ولا يؤثر عليك، فافسخي إهلالك ثم أهلي يوم أن نهل، فلما وصلت لم تعتمر، وإنما تحللت وتركت العمرة؛ لأنها حائض، والحائض لا يجوز لها الطواف، والطواف ركن في العمرة والحج.
فخرجت عائشة رضي الله عنها وهي حائض يوم التروية مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحجت، فلما كان آخر يوم عرفة طهرت، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب بها بعد أيام التشريق -أي: بعد الفراغ من الحج- إلى التنعيم فأهلت من هناك؛ لأنها قد فسخت العمرة إلى الحج، فأصبحت مفردة، والمفرد يعتمر بعد أداء الحج، وصار حكمها حكم أهل مكة؛ لبقائها في مكة أكثر من أربعة أيام، وأهل مكة إذا أرادوا العمرة يذهبون إلى الحل، والتنعيم أحد أماكن الحل، فذهبت عائشة وأهلت بالعمرة من هناك ثم أتت ودخلت البيت واعتمرت ثم قصرت شعرها قدر أنملة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لها:(هذه بتلك)، يعني: هذه العمرة التي بعد الحج توازي العمرة التي منعك منها الحيض.