[كلام النووي على حديث جابر في بيع المدبر]
قال: (في هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده لهذا الحديث، وقياساً على الموصى بعتقه، فإنه يجوز بيعه بالإجماع، وممن جوزه عائشة وطاوس وعطاء والحسن ومجاهد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود الظاهري.
أما أبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين فقالوا: لا يجوز بيع المدبر، وإنما باعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على سيده، وقد جاء في رواية للنسائي والدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقض به دينك).
يعني: هذا العبد المدبَّر لما باعه النبي صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم أعطاها لسيده وقال: (اقض بها دينك).
وقالوا: وإنما دفع إليه ثمنه ليقضي به دينه، وتأوله بعض المالكية على أنه لم يكن له مال غيره فرد تصرفه، لأنه لا يحل له أن يتصرف فيه كله، وإنما في ثلثه.
وقال هذا القائل: وكذلك يردُّ تصرف من تصدق بكل ماله، وهذا ضعيف بل باطل، والصواب نفاذ تصرف من تصدق بكل ماله.
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الأشبه عندي أنه فعل ذلك نظراً له، إذ لم يترك لنفسه مالاً، والصحيح ما قدمناه أن الحديث على ظاهره، وأنه يجوز بيع المدبَّر بكل حال ما لم يمت السيد، والله أعلم.
وأجمع المسلمون على صحة التدبير، ثم مذهب الشافعي ومالك والجمهور أنه يحسب عتقه من الثلث.
يعني: لو كان معتقاً يعتق منه الثلث فقط، والتدبير محل إجماع بين أهل العلم، لا خلاف بينهم في ذلك، والتدبير يقع في أشياء كثيرة، وليس في العبد فقط، فبإمكانك أن تقول: هذه الدار وقف على الأيتام في المكان الفلاني بعد موتي، فهذا تدبير في الدار، وبإمكانك أن تقول: هذا البستان وقف على الأرامل في المكان الفلاني بعد موتي، فهذا التصرف جائز، وهو صورة من صور التدبير، أي: إيقاف نفاذ التصرف إلى بعد موت من أوقفه.
وفي هذا الحديث من الفوائد كذلك: نظر الإمام في مصالح رعيته، وأمره إياهم بما فيه الرفق بهم، وإبطال ما يضرهم من تصرفاتهم التي يمكن فسخها.
وفيه جواز البيع فيمن يدبَّر، وهو مجمع عليه الآن، وقد كان فيه خلاف ضعيف لبعض السلف نقلناه آنفاً، ولكن هذا الخلاف خلاف ضعيف، وليس عليه العمل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد.