[حكم تعريف المحدث بصفة نقص]
وأما تعريف المحدث بصفات من صفات النقص كالعمى والبرص والعور ونحوها من الآفات فهو جائز إن لم يكن منه بد، ولم يختلف العلماء أنه يجوز ذكر الشيخ وتعريفه بصفته التي ليست نقصاً في خلقته كالطول، فالطول ليس صفة نقص، بل صفة كمال، فيقال في المثل: الطول هيبة وإن كان خيبة، وكذلك الحمرة والصفرة وغيرها، فهناك من يلقب حميد الطويل وإسحاق بن يوسف الأزرق، وحسين بن الحسن الأشقر، وجعفر بن زياد الأحمر، ومروان الأصفر وغير ذلك، وكلها ألوان، ولكنها ألوان جيدة.
وكذلك يجوز وصفه بالعرج والقصر والعمى والعور والعمش والحول والاقعاد والشلل.
وممن ذكر بذلك في الرواية عنه: عمران القصير، وأبو معاوية الضرير، وهارون بن موسى الأعور، وسليمان الأعمش الكوفي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعاصم الأحول، وأبو معمر المقعد، ومنصور بن عبد الرحمن الأشل.
ولم يعترض أحد على مناداتهم وذكرهم بهذه الألقاب التي هي ألقاب نقص إذا كان المقصود بها التمييز.
قال وكيع: سمعت الأعمش الذي هو سليمان بن مهران يقول: أنا أعمش، وإبراهيم أعور، وعلقمة أعرج، والمغيرة أعمى، ومسروق مفلوج، والقاضي شريح سنوط، وسنوط: لا لحية له.
وقال إسرائيل بن زياد: كان سعيد بن أبي عروبة إذا لقيني ومعي ألواح، يقول: ما تريد؟ قلت: أكتب الحديث، قال: اكتب أخبرنا الأعرج عن الأعمى عن الأعرج عن الأعمى، أي: سعيد بن أبي عروبة الأعرج عن قتادة الأعمى عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس الأعمى، وابن عباس رضي الله عنهما كف بصره في آخر حياته.
وعن حفص بن عبد الرحمن قال: قال سعيد بن أبي عروبة: إذا حدثت عني فقل: حدثني سعيد الأعرج، فهو هنا راض بتلقيبه بهذا اللقب، وإذا كان راضياً فلا إشكال، وإذا لم يكن راضياً فقد ذهب جماهير المحدثين إلى جواز ذكره على جهة التمييز، وأما على سبيل الذم فحرام، وهو من باب التنابز بالألقاب.
قال: إذا حدثت عني فقل: حدثني سعيد الأعرج عن قتادة الأعمى عن حسن الأحدب.
وقال عارم: أخبرنا ثابت بن يزيد أبو زيد الأحول أخبرنا عاصم الأحول، ثم تبسم وضحك، فقيل له: ما يضحكك، قال: أنا أحول، وثابت أحول، وعاصم أحول، فاجتمعنا الثلاثة في الحول، وهذا أيضاً فيه رضاه بإطلاق اللقب.
وعن عبدة بن سليمان قال: سمعت ابن المبارك وسئل عن فلان القصير وفلان الأعرج وفلان الأصفر وحميد الطويل، قال: إذا أراد صفته ولم يرد عيبه فلا بأس، أي: إذا أراد أن يميزه ولم يرد أن يعيبه بذكر هذا الوصف فلا بأس بذلك.
فباب الألقاب باب واسع ينبغي التعرض له وذكره.
وقد صنف فيه كثير من أهل العلم بلغوا خمسة، وأحسن من صنف فيهم هو الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله، فقد صنف نزهة الألباب في الألقاب، وهو مجلدان، وقد طبع الكتاب منذ أعوام قلائل.