للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

أما بعد: فالذي يريد أداء النسك يجب عليه أن يعقد نية خالصة لله عز وجل؛ لأن الإخلاص سر قبول العمل، كما أن استقامة العمل هي سر قبوله كذلك، فإذا كان العمل صالحاً على نهج النبوة فإنه لا يقبل حتى يكون خالصاً لله عز وجل، وإذا كان خالصاً لله وليس على نهج النبوة فإنه لا يقبل حتى يكون خالصاً وسائراً على منهاج النبوة.

فالذي يريد أن يؤدي نسكاً لله عز وجل أو أي عبادة لله لابد أن ينوي نية صالحة صادقة خالصة؛ لأن العبادة مصروفة لله عز وجل لا لأحد سواه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يسأل ربه الإخلاص في أقواله وأفعاله، وفي الحج كان يقول: (اللهم إني أسألك حجة لا رياء فيها ولا سمعة).

وقال عليه الصلاة والسلام: (من راءى راءى الله به -أي: فضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة- ومن سمع سمع الله به)، وهذا في جميع الأعمال التي هي مصروفة لله عز وجل، فإذا صرفها العبد لغير الله حوسب عليها وفضح على رءوس الأشهاد.

ثم إذا جمع نية صالحة يستحب له أن يخرج من بيته لأداء النسك يوم الخميس، وبذلك جاءت الرواية الصحيحة عند البخاري وغيره: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سافر خرج يوم الخميس)، والحج سفر؛ بل هو من أعظم السفر.

وقرر ذلك الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله قال: يستحب السفر للحج يوم الخميس، إذا كان في إمكانه، وإلا ففي أي يوم يجوز أن يخرج للحج.

ثم لابد أن يعرف الحاج ما يحل له وما يحرم، وما يبطل نسكه وما يفسده، وما لو قصر في واجب وجب عليه الدم، لابد أن يعرف كل ذلك.

وفي الدروس الماضية علمنا أن الحاج إذا أخلص النية لله ثم بدأ في السفر وبلغ الميقات المكاني وأحرم بالحج أو بالعمرة يحرم عليه الطيب بعد ذلك، سواء كان في ثوبه أو في بدنه كما يحرم عليه الجماع، وأن الجماع يفسد ويبطل هذا النسك، ويحرم عليه لبس المخيط على قدر العضو سواء كان قميصاً أو بنطالاً أو سروالاً، إلا ألا يجد إزاراً فيلبس السروال حتى يتمكن من لبس الإزار، ولا يلبس البرنس ولا العمامة.

والمرأة إنما تحرم في ثيابها التي تلبسها، غير أنه يحرم عليها أن تنتقب في حال إحرامها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة المحرمة)، وهذا نهي أفاد التحريم.

وقول عائشة رضي الله عنها: كنا نكشف وجوهنا حتى إذا مر بنا الركبان من الرجال أسدلنا على وجوهنا، فالذي يباح للمرأة في إحرامها الإسدال لا النقاب، والإسدال: هو أن تطرح المرأة على رأسها شيئاً من قماش، ولا تعصبه عصباً، ولا تربطه كما تربط النقاب، وتكشف وجهها، فإذا أقبل إليها الرجال أو كانت في جمع فيهم رجال فيسن لها أن تطرح هذا القماش على وجهها دون أن تشده أو أن تربطه.

وتكلمنا عن الميقات، والميقات نوعان: زمني، وهو للعمرة في جميع أيام السنة، وللحج في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، كما اتفقنا على ذلك وهذا مذهب الجماهير، وبعضهم قال: بل ذو الحجة شهر للحج كله من أوله إلى آخره، وبينا تفصيل ذلك في الدرس الماضي.

أما المواقيت المكانية: فهي: يلملم لأهل اليمن، وذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام والمغرب، وذات عرق لأهل العراق، وقرن المنازل لأهل نجد، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة، وبينا أنه لا يحل لأحد يريد النسك أن يعبر هذه المواقيت دون أن يحرم، فإذا جاوزها بغير إحرام اختلف أهل العلم في كفارة ذلك: هل يلزمه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، أم يكفيه أن يتوب إلى الله عز وجل ويفدي بدمٍ يعني: يذبح شاة لفقراء الحرم، ويستمر في إحرامه وأداء نسكه؟