[شرح حديث سلمة بن الأكوع في أن سلب الجاسوس لمن قتله]
قال: [وعن إياس بن سلمة -وهو ابن سلمة بن الأكوع - قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينما نحن نتضحى -أي: نتغدى وقت الضحى- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً من حقبه)] والطلق: العقال من جلد، والحقب هو: الوعاء من جلد يُجعل في مؤخرة حقو البعير، أي: كأن هذا الرجل انتزع عقالاً من جلد من حقيبة كانت في مؤخرة البعير.
قال: [(فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر)] أي: نحن جيش ضعيف، من الهزال والضعف والفقر وقلة الطعام وغير ذلك، والظهر هو المركوب من الفرس والإبل.
أي: جيش فقير وهزيل.
قال: [(وبعضنا مشاة)] أي: بعضنا يمشي على قدمه ليس له ظهر يركبه.
قال: [(إذ خرج يشتد)] أي: هذا الرجل الذي أتى على جمل أحمر فرح بما نزل بجيش المسلمين من ضعف وهزال وفقر وقلة طعام وقلة ظهر، فخرج يعدو ويشتد ويُسرع المشي.
قال: [(فأتى جمله فأطلق قيده، ثم أناخه وقعد عليه، فأثاره -أي: غمزه حتى قام- فاشتد به الجمل -أي: أنه صار يعدو ويجري به الجمل في الصحراء- فاتبّعه رجل -من المسلمين- على ناقة ورقاء)] والناقة الورقاء هي: الناقة التي فيها بياض مخلوط بسواد.
قال سلمة: [(وخرجت أشتد -أي: خرج وراءه يشتد ويعدو- فكنت عند ورك الناقة)] أي: أدركت الرجل حتى كنت عند رجلها في المؤخرة.
قال: [(ثم تقدمت أكثر من ذلك حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته -أي: جعلت الجمل يقعد- فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي -أي: أخرجت سيفي من غمده- فضربت رأس الرجل فندر)] أي: فسقط ميتاً؛ لأن هذا كان جاسوساً من جواسيس الأعداء.
قال: [(ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه -أي: سلبه- فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: من قتل الرجل؟ قالوا: ابن الأكوع هو الذي قتله قال: له سلبه أجمع)]، فيه شيء من السجع غير المتكلّف ولا المقصود؛ لأن تكلّف السجع في الكلام مكروه.
وفي هذا الحديث: جواز قتل الجاسوس الكافر الحربي، وهو كذلك بإجماع المسلمين.
وفي رواية النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمرهم بطلبه وقتله.
وأما الجاسوس المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: يصير ناقضاً للعهد، فإن رأى استرقاقه أرقه، ويجوز قتله.
وجماهير العلماء قالوا: لا ينتقض عهده بذلك، والأول أحب إلى قلبي.
وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وموافقيه: أن القاتل يستحق السلب، وأنه لا يُخمّس.
أي: أن سلبه هذا لا يدخل في عموم الغنائم، فكل من قتل يأخذ سلب القتيل، والباقي يُخمّس.
وفيه: استحباب مجانسة الكلام إذ لم يكن فيه تكلف ولا فوات مصلحة والله أعلم.
والله تعالى يتقبّل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.