[شرح حديث عمر بن الخطاب في إجلاء اليهود من المدينة]
قال: [وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور -المعروف بـ الكوسج.
قال ابن رافع: حدثنا، وقال إسحاق بن منصور: أخبرنا- عبد الرزاق بن همام الصنعاني قال: أخبرنا ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي عن موسى بن عقبة -إمام المغازي- عن نافع الفقيه مولى عبد الله بن عمر عن مولاه وسيده ابن عمر رضي الله عنهما: (أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: أنهم توافروا واتفقوا وتكاتفوا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم- فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير -أي: أجلاهم عن المدينة كلها- وأقر قريظة ومنَّ عليهم)] أقر قريظة أن يمكثوا في مكانهم، ومنّ عليهم النبي عليه الصلاة والسلام.
بمعنى: أعطاهم عقد أمان، بمقابل وبشروط.
قال: [(حتى حاربت قريظة بعد ذلك)] يعني: نقضت العهد وخانت الميثاق والأمان الذي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم، فحاربوا النبي عليه الصلاة والسلام ووضعوا أيديهم في أيدي المشركين، وظاهروا على النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [(فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين)] يعني: سباهم وأخذ الأموال، أما الرجال فقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، كل ذلك كان في المدينة.
قال: [(إلا أن بعضهم -أي: بعض بني قريظة من اليهود- لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا)] حينما لحقوا واعتذروا مما كان منهم وأسلموا أمنّهم النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [(وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم)].
أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً عشرة أيام، ثم أعطاهم ثلاثة أيام بعد ذلك، أن يخرجوا من المدينة ولا يأخذوا معهم إلا ما تحمل إبلهم فقط، أما دون ذلك فلا، فوضعوا أثمن ما يحتفظون به في رحال هذه النوق، وخرجوا من المدينة مطرودين إلى الشام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يمنعهم أن يأخذوا معهم دون ذلك، أو أكثر من ذلك، كما كان يمنعهم أن يأخذوا معهم السلاح، ومن باب أولى الأرض.
وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعامل مع اليهود بمنتهى الشدة والحدة؛ لأن الله تعالى أخبره من فوق سبع سماوات أنه لا يصلح مع هؤلاء اليهود الأنجاس إلا هذه المعاملة، والمشركون في مكة كانوا أوفى من اليهود عهداً، وأعظم منهم ميثاقاً مع شركهم وكفرهم وضلالهم، فقد كانوا رجالاً عند كلمتهم، لا يخونون العهد والميثاق، بل يلتزمون به، ويعاتبون من نقض العهد والميثاق، أما اليهود فطريقهم الطويل يحكي غير هذا، ويقول: إنهم لم يوفوا بعهد أبداً، وكانوا يخفرون الذمم دوماً، أما أن يلتزموا كما التزم المشركون فلا، ولذلك لم يثبت في السنة المطهرة ولا في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أنه تهاون مع اليهود يوماً ما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتهاون أحياناً مع المشركين؛ لعلمه أنهم رجال، وأنهم عند العهد والميثاق، أما اليهود فالوضع كان يختلف عن ذلك تماماً؛ ولذلك حينما نقضوا مرة وثانية أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرجوا من المدينة، فانصرفوا إلى قريتين للشام تسميان أريحا وتيما، أما أريحا فهي قريبة من بلاد مصر، وأما تيما فهي قريبة من بلاد سوريا أو دمشق، وكلاهما يطلق عليه أرض الشام.
قال: [(وأجلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يهود المدينة كلهم)] وهم بنو قينقاع، وهم قوم عبد الله بن سلام -الإسرائيلي الذي آمن وحسن إيمانه وإسلامه- ويهود بني حارثة، وكل يهودي كان بالمدينة.
ولم يذكر عبد الله بن عمر بني النضير؛ لأنه كان أجلاهم من قبل، ولم يبق إلا بنو قينقاع وكذلك قريظة.
ومنهم من استقر بخيبر في طريقه إلى الشام، ولصق بأقرانه وأصوله في خيبر، ولذلك يصرّح كثير من زعماء اليهود وأمريكا في هذه الأيام بأن المدينة أرض يهودية، وذلك بعد أحداث (١١) سبتمبر التي غيّرت وجه الأرض هناك وهنا في بلاد المسلمين، حتى صارت كالتاريخ الهجري، فيقال: أحداث ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعد الحادي عشر من سبتمبر، فصار هذا الحدث جللاً في تاريخ اليهود والنصارى في هذه البلاد المشئومة.
ولذلك بدأ اليهود والنصارى يدندنون، ويتكلمون -بقصد أو بغير قصد- عن بلادهم الأصيلة كما يقول النصارى في مصر: إن مصر بلد قبطي، ولبسوا السواد لذلك.
هؤلاء القساوسة والبطارقة يلبسون السواد حتى في أيام أعيادهم يلبسون السواد حزناً على ضياع مصر من أيديهم، وبغض النصارى لـ عمرو بن العاص في مصر أشد من بغضهم للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو الذي أذلهم وأخذ الأرض، وفتح البلاد وقلوب العباد رغماً عنهم.
هكذا يعتقدون في عمرو بن العاص.
[وحدثني أبو الطاهر قال: