[شرح حديث فرحة الله بتوبة العبد من طرق أخرى]
قال: [حدثنا عبد الله بن قعنب القعنبي، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد، وهو عبد الله بن ذكوان، عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز المدني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها).
وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم -وهو المعروف ابن راهويه -واللفظ لـ عثمان - أي: هذا السياق من طريق أو من لفظ عثمان بن أبي شيبة لا من طريق ابن راهويه - حدثنا جرير، وهو ابن عبد الحميد الضبي، عن الأعمش سليمان بن مهران الكوفي، عن عمارة بن عمير التيمي الكوفي، عن الحارث بن سويد التيمي الكوفي أبو عائشة، قال: دخلت على عبد الله أعوده].
إذا ذكر في طبقة الصحابة عبد الله فالمراد به: عبد الله بن مسعود، وهناك قرينة أخرى: أن يكون الإسناد كوفياً؛ لأن عبد الله بن مسعود رحل إلى الكوفة وتولى فيها القضاء، وتخرج على يديه جيل التابعين بأكمله، ولذلك إذا كان الإسناد كوفياً، ثم قال التابعي: وحدثني عبد الله، فعلم أنه عبد الله بن مسعود من غير خلاف.
قال: [دخلت على عبد الله أعوده وهو مريض، فحدثنا بحديثين: حديثاً عن نفسه وحديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم]، يعني: أنه حدثهم بحديث مرفوع وحديث موقوف، فذكر هنا المرفوع ولم يذكر الموقوف، وذكر البخاري في صحيحه الحديثين جميعاً، وليس الأمر كما قال أحدهم: حدثني فلان بحديثين، أما هو فقد نسي أحدهما وأنا نسيت الآخر، يعني: أنه لا يوجد شيء.
قال: [حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية -أي: الأرض القفر والفلاة الخالية- مهلكة)].
في حقيقة الأمر الأرض لا تهلك، لكن لما كانت محلاً للهلاك نسب الهلاك إليها استعارة؛ لأن الهلاك يقع فيها، ولذلك يسمونها: استعارة محلية، فيطلقون المحل ويريدون الحال، بخلاف الاستعارة الحالية، إذ هي إطلاق الحال وإرادة المحل.
قال رحمه الله: [(معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت -ليس له إلا هذا- فوضع رأسه على ساعده ليموت)].
أي: لم يكن واضعاً رأسه على ساعده خصيصاً لأجل الموت، وإنما فعل ذلك لأجل النوم فيدركه الموت وهو نائم، كذلك لا يلزم للموت أن يضع الرجل رأسه على ذراعه أو على ساعده، فهذه ليست هيئة الميت وإنما هيئة النائم.
قال المصنف رحمه الله: [(فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً من توبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده)، وفي الرواية الثانية: (من رجل بداوية من الأرض)].
داوية أو دوية بالألف أو بغيرها، وكلاهما واحد.
وفي الرواية الأخرى: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن).