[قصة أبي جندل وأبي بصير وهروبهما من قريش]
قال: [حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ومحمد بن عبد الله بن نمير.
قالا: حدثنا أبو معاوية وهو محمد بن خازم ضرير عن الأعمش - سليمان بن مهران الكوفي - عن شقيق - أبي وائل - قال: سمعت سهل بن حنيف يقول بصفين: (أيها الناس! اتهموا رأيكم.
والله لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته)] أي: ليت النبي صلى الله عليه وسلم جعل لنا حرية الاختيار نقبل أو نرد، ولو كان كذلك لكنت أول من رد هذا.
قال: [(ووالله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا)] أي: القتال الواقع بينكم وبين أهل الشام.
إن يوم أبي جندل رضي الله عنه كان يوماً عجيباً جداً؛ وذلك لما حصل في أثناء كتابة وثيقة الصلح التي بين المشركين وبين النبي عليه الصلاة والسلام، كان فيها: من أتاكم منا يا محمد! لا تقبلوه بل يجب عليكم رده.
ذكر البخاري أن أبا جندل كان أسلم ونزل من طريق سفلي حتى هبط إلى المسلمين في الحديبية، وكان أبو جندل في معسكر الشرك أثناء كتابة الصحيفة، فقال سهيل بن عمرو: يا محمد! هذا أول شرط معك قد أتاك أبو جندل مسلماً منا إذاً: وجب عليك رده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم نكتب الصحيفة بعد.
وذلك أنه لم يتم الختم عليها، ولا تتم الصحيفة إلا بالأختام، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له ختم.
قال: إذاً والله لا أُعاهدك أبداً على شيء.
وسهيل بن عمرو والد أبي جندل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ردوا عليه ولده، فقام أبو جندل يضرب الأرض ويقول: كيف تردونني إلى المشركين وقد أتيتكم مسلماً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ردوه إلى قومه.
فردّوه إلى قومه، وحينما وثق النبي عليه الصلاة والسلام الصحيفة رجع إلى المدينة، فأتاه أبو بصير من مكة مسلماً، وكان في إثره اثنان من زعماء قريش من المشركين، فقالا: يا محمد! قد أتاك منا أبو بصير وإنه ليلزمك أن ترده إلينا حسب الاتفاق الذي بيننا وبينك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي بصير: (اذهب معهم لا نقبلك.
قال: سمعاً وطاعة لرسول الله) والحديث في البخاري.
فمشى معهما أبو بصير حتى نزلوا ذا الحليفة وهو ميقات أهل المدينة، فقال أبو بصير لأحدهما: ما أجمل سيفك! قال: نعم.
ما أجمله وأحده، لقد قتلت به فلاناً وفلاناً وفلاناً وصار يعدد شمائل هذا السيف.
فقال: أرني أنظر إليه، فدفعه إليه فقام إليه أبو بصير فقتله، فلما رأى الثاني ما كان من أبي بصير ولى هارباً إلى المدينة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ذعر فلان) أي: أصابه الفزع، وكأن شيئاً قد حصل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أبي بصير صاحبه.
ولم يرجع أبو بصير إلى المدينة، بل اختبأ في الطريق المؤدي ما بين مكة والشام، وذاع أمره وانتشر صيته في الأرض، فعلم أهل مكة أن أبا بصير في الطريق، فلحق به أبو جندل، وأنتم تعملون أن قتال الكهوف والجبال ليس له حل، وكان كل من أسلم من قريش لحق بـ أبي جندل وأبي بصير؛ حتى كونوا جيشاً عظيماً، وكلما مرت قافلة لأهل مكة ذاهبة إلى الشام أو قادمة من الشام إلى مكة خرجوا إليها وقتلوا من فيها، وأخذوا ما معهم من إبل وزاد وطعام وشراب.
إذاً: الشرط الذي تضايق منه عمر كان شرطاً جميلاً جداً، ولكنكم فعلاً قوم تستعجلون!! قال: [وحدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول عن أبي حَصين] وهو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي ثقة ثبت سني، وكانت كلمة سني عند السلف تُطلق على الرجل الداعية إلى مذهب السلف في الاعتقاد خلافاً للشيعة.
قال: [قال: عن أبي حَصين عن أبي وائل قال: سمعت سهل بن حنيف بصفين يقول: (اتهموا رأيكم على دينكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما فتحنا منه في خصم إلا انفجر علينا منه خصم)] أي أنه كلما أصلحنا من أمركم شيئاً ظهر شيء آخر.
قال: [وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: (