[الرد على من يقول بوجود التمثيل في حديث: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)]
إذا قال قائل: إن هناك أحاديث ظاهرها يوحي بالمماثلة، أو يوحي بالتكييف والتشبيه مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما سئل: هل نرى ربنا؟ قال: هل ترون القمر في ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب).
فكما أنك ترى القمر ليلة البدر واضحاً إذا لم يكن هناك غيم ولا سحاب فإنك سترى الله عز وجل في الآخرة كما ترى القمر ليلة البدر.
وقد يقول قائل: إن هذا فيه تمثيل، ونرد على هذا ببيان أصلين: الأصل الأول: أصل عام.
والأصل الثاني: أصل خاص، وفيه الرد على هذه الشبهة.
فالأصل العام: أن كل ما تكلم الله تعالى به حق وصدق، وليس هناك خلاف في ذلك، فكل ما جاء في كتاب الله عز وجل حق، وكذلك كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق لا ينازع في شيء من ذلك إذا صح الدليل، وأما إذا كان الدليل ضعيفاً، فيجب رده، ولا نتكلف له التأويل، لا أن آتي بحديث صحيح يثبت صفة، وحديث ضعيف ينفي نفس الصفة وأقول: بينهما تعارض، وإنما أنظر إلى الدليلين هل هما ثابتان أم لا، فإن كان أحدهما ضعيفاً والآخر ثابتاً وجب رد الضعيف فيبقى الصحيح دون معارض، وإذا كان الدليل ثابتاً صحيحاً في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن نؤمن إيماناً قوياً متيناً من أعماق قلوبنا أن الله تعالى لا يتكلم بالمتناقض أبداً، وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتفوه بغير الحق.
وإنما أتت هذه الشبهة من القصور في الفهم والعلم، فالذي أمرنا أن نؤمن بصفات الله من غير تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه هو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والذي قال: (إنكم سترون ربكم) هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يكون هناك تعارض ولا تناقض بين أقواله، وهذه المسألة ينبغي أن نسلم بها، فالمشكاة التي خرج منها الكتاب والسنة مشكاة واحدة، وهي مشكاة الوحي، والوحي لا يمكن أن يخطئ؛ لأنه من عند الله، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
وهذا يدل على أنه من عند الله فقط، سواء كان كتاباً أو سنة، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].
وفي حديث عبد الله بن عمرو لما عيرته العرب بأنه يكتب عن النبي عليه الصلاة والسلام في وقت الغضب والرضا، فقال: (يا رسول الله! إن قريشاً تقول: إنك تكتب عن صاحبكم وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا، قال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقاً، وأشار إلى فيه صلى الله عليه وسلم).
وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يقع التعارض في النصوص الثابتة في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما تأتي المشكلة من القصور في الفهم، وهنا يجب الرجوع إلى أهل العلم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣].
وقد تعرض ابن خزيمة وابن قتيبة والإمام الشافعي رحمهم الله وغيرهم، للتأويل والتوثيق والجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض، ولذلك يجب عليك أن تقول: النصوص التي ظاهرها التعارض، لا النصوص المتعارضة؛ لأنها في حقيقة الأمر ليست متعارضة.
فـ ابن خزيمة عليه رحمة الله يقول: ليس هناك في الكتاب ولا في السنة دليلان متعارضان، فمن وجود شيئاً من ذلك فليأتني بهما أؤلف له بينهما، فها هو جبل من الجبال ألا وهو الشيخ ابن خزيمة، فمن عنده إشكال فليذهب إليه، وابن خزيمة مات نعم، ولكن السنة موجودة وكلامه موجود، وما ترك شبهة إلا وتكلم فيها، فإذا عن لك شيء فكتب تأويل المتشابه مشهورة عند أهل العلم، فهناك تأويل الحديث لـ ابن قتيبة، وشرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي، وهناك كتاب ابن خزيمة، وغيرها من الكتب التي تكلمت وجمعت وألفت بين النصوص التي ظاهرها التعارض، فإذا وجدت شيئاً من ذلك أو دخلت عليك شبهة، فالجأ إلى أهل العلم، وأحمد بن حنبل عليه رحمة الله إمام أهل السنة والجماعة رد على الزنادقة بكتاب سماه الرد على الزنادفة، وهو كتاب صغير الحجم لا يبلغ أكثر من خمسين صفحة، رد فيه على الزنادقة رداً في متشابه القرآن، وهو من أمتن وأقوى وأحسن ما تقرؤه في هذا الباب، ولو علمت قيمة العلم وأنت تقرأ تحس بحلاوة لا تجدها وأنت تأكل أشهى أكل عندك؛ لأن العلم له لذة، ولكن عند من يلتذ به، وهناك أناس لا يلتذون إلا بالشهوات والشبهات.
الأصل الثاني عن قوله: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، أي: لا يحصل ضيم لكم في رؤيته، فإنكم ترون الله تعالى يوم القيامة، وترونه في الجنة كما ترون القمر ليلة البدر.
فالكاف هن