شرح حديث عبادة بن الصامت في النهي عن منازعة أولي الأمر إلا إذا أتوا كفراً بواحاً
قال: [حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم حدثنا عمي - عبد الله بن وهب - حدثنا عمرو بن الحارث حدثني بكير -كل هؤلاء مصريون- عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، فقلنا: حدثنا -أصلحك الله- بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله.
قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً) وفي رواية: (براحاً) يعني: ظاهراً لا لبس فيه ولا خفاء (عندكم من الله فيه برهان)].
أي: أن الذي يعمله كفر ومحادة لله ورسوله، ودليلنا في ذلك ظاهر من الكتاب والسنة، وهذا هو البرهان قال:(إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله) أي: في الكتاب (فيه برهان).
أما قوله:(إلا أن تروا كفراً بواحاً) إلى آخره معناه: كفرا ظاهراً.
والمراد بالكفر هنا: المعاصي؛ لأن الكفر أحياناً يطلق على المعصية، كما قال عليه الصلاة والسلام:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
إذاً: الحلف كفر لا يخرج من الملة؛ لأنه معصية، فأحياناً يُطلق الكفر ويراد به المعصية، وأحياناً تُطلق المعصية ويراد بها الكفر، وهذا باب طويل.
ومعنى (عندكم من الله فيه برهان).
أي: تعلمونه من دين الله تعالى علماً يقينياً.
ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، لا تهابوهم ولا تخافوا منهم؛ لأنهم في قبضة الملك سبحانه وتعالى، وأنتم وإياهم عبيد عند الله، وأخطأ من ظن أنهم يملكون لأنفسهم نفعاً أو ضراً فضلاً أن يملكوا لغيرهم شيئاً من ذلك، فالكل في قبضة الله عز وجل، إن أراد الله تعالى أن يُهلك الجميع أهلكهم، وإن أراد أن ينجيهم جميعاً أنجاهم أو أراد أن يُهلك البعض وينجّي البعض الآخر فعل، فالكل عبيد لله تعالى، وقلوب العباد جميعاً بين يدي الله تبارك وتعالى، وبين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، يجعل من يشاء كافراً ويجعل من يشاء مؤمناً، يجعل من يشاء شقياً ومن يشاء سعيداً، وغير ذلك كل يوم هو في شأن سبحانه وتعالى، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين.