[بيان أن حد الزنا هو السبيل الناسخ للحبس والأذى]
قال الإمام النووي: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد جعل الله لهن سبيلاً) فإشارة إلى قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:١٥] فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو ذلك السبيل).
وهذه الآية في سورة النساء، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء:١٥] والفاحشة هي: الزنا.
{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء:١٥] يعني: يشهد على وقوع الفاحشة من هذه المرأة أربعة من المسلمين.
{فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:١٥] وهذا كان في أول الأمر، إذ كانت التي تزني تحبس في البيت حتى تموت في حبسها، ولا تخرج من بيتها أبداً، أو ينزل الله تعالى فيها قرآناً يحكم فيها بحكم.
ثم قال تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا} [النساء:١٦] أي: الفاحشة.
{مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء:١٦] لم يقل: فأقيموا عليهما الحد؛ لأنه لم ينزل الحد بعد، والإيذاء يكون بالشتم والضرب بالنعال والفضيحة والتعيير وغير ذلك.
قال تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء:١٦] أي: بعد الأذى {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:١٦].
قال الإمام ابن كثير: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت، فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} [النساء:١٥] يعني: الزنا.
{مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:١٥] فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.
وحد الزانية إذا كان ثيَّباً أتينا به من السنة، وإذا كانت بكراً فحدها مذكور في القرآن: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢].
أما القرآن فهو المنسوخ لفظاً ولم ينسخ حكماً، كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (كان فيما أنزل الله عز وجل في القرآن: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
قوله: (ارجموهما البتة) يعني: حتى يموتا.
فهذه آية نزلت من السماء في كتاب الله عز وجل، فرفع الله تعالى لفظها ولم يرفع حكمها، وسنأتي بالأدلة على ذلك بإذن الله.
الشاهد الثاني على أننا علمنا أن حكم الثيب من السنة: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).
وإذا كان القرآن ليس فيه الرجم فهذا دليل على أن السنة تستقل بأحكام ليست في القرآن، وهذا رد على من يزعمون أنهم قرآنيون ويطالبوننا أن نأتي لهم بكل حكم من القرآن الكريم، فهؤلاء هم أبعد الناس عن القرآن الكريم، كما أنهم أبعد الناس عن سنة النبي الأمين عليه الصلاة والسلام.