[شرح حديث أبي هريرة في فتح مكة]
[حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت بن أسلم البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان -وفدت وفود يعني: أتت الأفواج والسرايا والرهط إلى معاوية، ومعاوية كان مقيماً بالشام- فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام].
وفي هذا جواز المناوبة في الخدمة إذا كانت قافلة مسافرة، فلهم أن يوزعوا أنفسهم: فلاناً للطبخ، وفلاناً للغسل، وفلاناً لبري الأقلام، وفلاناً لصقل السيوف وغير ذلك، فلا بأس بهذا وهو من السنة، فليس هناك واحد يقول: أنا آكل فقط، فهذا بلا شك سيبقى على غيره ثقلاً وعبئاً.
قال: [فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله].
يعني: أبو هريرة كان أكرم هؤلاء، مع أنكم تعلمون أنه كان من الصحابة الفقراء جداً، وكان من أهل الصفة، لكن الواحد يجود بالموجود فقط، فكان أبو هريرة أكثر الناس دعوة لهم إلى الطعام.
قال عبد الله بن رباح: [فقلت: ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رحلي؟] فهو يكلم نفسه، ألا يوجد مرة من المرات أسبق أبا هريرة في هذا الخير؟ قال: [فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة فقال: سبقتني؟ قلت: نعم.
فدعوتهم فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟! ثم ذكر فتح مكة فقال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين)].
والمجنّبة: الميمنة أو الميسرة.
والخميس: اسم للجيش؛ لأن له ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب، هناك نظام حتى في القتال، فالإسلام دين النظام، فلا أقول: الذي يريد أن يقاتل يخرج ليقاتل، فهناك نظام، فالمقدمة تقاتل، ويبقى هناك ميمنة وميسرة، ثم إذا هزمت -عياذاً بالله- يتقدم فوج آخر، ويكون بين العدو وبين المجاهد مسافة تسمح بإبطال القذائف: كيلوان، ثلاثة كيلو، خمسة كيلو، عشرة كيلو؛ حتى إذا قذف قذيفة تقع ويبطل مفعولها قبل أن تصل إليك، وتكون أنت في هذا الوقت قد استنفذت قوة عدوك.
قال: [(فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالداً - ابن الوليد - على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر) والحسّر: هم الراجلة الذين لا دروع معهم ويمشون على أرجلهم.
قال: [(فأخذوا بطن الوادي)] أي: فمشى هؤلاء الراجلة في بطن الوادي، فهناك جبلان وواد، فجعل الميمنة على الجبل الأيمن والميسرة على الجبل الأيسر، والمقدمة في نهاية هذا الوادي، والقلب في وسط الوادي، وفي مؤخرة الوادي هؤلاء الحُسّر الذين نسميهم نحن المشاة؛ لأنهم لا يركبون، وإنما يمشون على الأرض.
قال: [(ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة)] والكتيبة لا بد أن يكون فيها الرئيس، فلا تكون هناك كتيبة إلا إذا كان فيها قائد الجيش الكبير، وأنتم تعلمون أن كل فوج لا بد أن يكون له قائد، لكن لا يقال: كتيبة إلا إذا كان فيها قائد الجيش، ولو راجعت المغازي والسير فإنك لن تجد كتيبة إلا وفيها الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يكن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمها سرية، والسرية لها قائد، والميمنة سرية، والميسرة سرية، والمقدمة سرية، والقلب سرية، والمؤخرة سرية، وقد عيّن النبي صلى الله عليه وسلم على كل سرية قائداً، فالجيش كله الذي يقوده النبي صلى الله عليه وسلم اسمه كتيبة.
قال: [(فنظر فرآني فقال: أبو هريرة؟ قلت: لبيك)] وفي هذا استحباب أن يقول المنادى للمنادي: (لبيك).
قال: [(قلت: لبيك يا رسول الله! فقال: لا يأتيني إلا أنصاري)].
زاد غير شيبان فقال: (اهتف لي بالأنصار) يعني: نادهم بصوت عال.
قال: [(فأطافوا به)] يعني: أتوا بسرعة جداً حتى كانوا حول النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [(ووبشت قريش أوباشاً لها وأتباعاً)] يعني جمعت وضمّت من كل صنف من العجم والعرب والأسود والأبيض أناساً لا يقاتلون لغاية إلا المال، ونحن نسميهم في هذا الوقت الجيوش المرتزقة، جيوش مستعدة للقتال في أي مكان وفي أي دولة، تقاتل مسلمين أو تقاتل كفاراً.
قال: [(فقالوا: نقدم هؤلاء)] صناديد الكفر والشرك قالوا: نحن ندفع بهؤلاء في المقدمة، ودائماً الجيوش إذا أرادت الخلاص من أحد تقدمه إلى خط النار.
قالوا: [(فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سُئلنا)] أي: وإن قتلوا جميعاً وهجم علينا جيش المسلمين وسألونا شيئاً أعطيناهم، في الوقت الذي يكون قد تخلصوا فيه من الأوباش.
قال: [(فقال ر