ومعنى براءة ابن عمر من هؤلاء تكفيرهم، وحق لـ عبد الله بن عمر أن يكفر هؤلاء؛ لأنهم أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة، وهو إثبات علم الله عز وجل، وإثبات قدرة الله عز وجل على الكتابة القديمة الأزلية، فـ عبد الله بن عمر عندما تبرأ منهم دل ذلك على أنهم نفوا أصلين عظيمين كانا معلومين عند العامة والخاصة، وهما علم الله عز وجل وكتابته الثابتين في غير ما آية وحديث من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فبراءة عبد الله بن عمر منهم فيه تلميح وتلويح بتكفيرهم، وعلى هذا جمهور السلف في تكفير من أنكر علم الله عز وجل من القدرية أو من قال بمقولة معبد الجهني.
ومسألة القضاء والقدر وإن كانت أصلاً عظيماً من أصول الإيمان كما ورد ذلك في كتاب الله عز وجل وفي غير ما حديث من أحاديثه صلى الله عليه وسلم إلا أنها أخذت بعداً عظيماً وأخذاً ورداً بين القدامى والمُحْدَثين، وهو أكثر ركن من أركان الإيمان أحدث اضطراباً وخللاً عظيماً، وذلك لما خفي على كثير من الناس من أن الإيمان بالقدر متعلق بأمر الهداية والإضلال، أو متعلق بأمر الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أو متعلق بمراتب القدر نفسها.