[شرح حديث عبد الله بن عمرو في الفتن ووجوب طاعة الأمير ودفع منازعيه]
قال: [حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا.
وقال زهير: حدثنا].
وكما قلت من قبل: هناك فرق بين (حدثنا) و (أخبرنا)، فأخبرنا المشهور عند العلماء استخدامها في الإجازة.
أي: فيما لم يسمع الراوي من شيخه.
فيقول: أخبرنا، والأفضل أن يقول: أخبرنا فلان إجازة.
لكن (حدثنا) لا تُستخدم إلا في السماع.
[حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه، فقال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً -يعني: نزلوا ليختبئوا- فمنا من يُصلح خباءه -يعني: منا من قد انشغل بتثبيت خيمته- ومنا من ينتضل -من النضال أي: النشال، والتدريب على الرمي بالسهم والقوس- ومنا من هو في جشره -أي: في إصلاح فرسه من العلف والتنظيف وغير ذلك- إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة -أي: اجتمعوا أيها الناس- فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم)] وهذه مهمة الأنبياء والمرسلين، أنهم يعلمون أقوامهم ما ينفعهم من خيري الدنيا والآخرة [(وينذرهم شر ما يعلمه لهم)].
إذاً: مهمة الأنبياء: البشارة في الخير والنذارة من الشر.
فهذه مهمة الأنبياء منذ أن أرسل الله تعالى نوحاً إلى محمد عليه الصلاة والسلام.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: [(إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها).
(جُعل عافيتها) أي: قوتها في أولها.
وهذا معلوم.
[(وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها)] وهذا أيضاً من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بشّر أن قوة هذه الأمة وعافيتها في صدرها الأول وقد كان وبعد ذلك يكون هناك ضعف وهوان وذل وأمور تنكرونها.
قال: [(وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضهاً)] أي: أن الفتنة الأولى تتبعها ثانية، وحين وجود الفتنة الأولى يقول الناظر إليها: هذه مهلكتي.
وذلك لأنها عظيمة لا يمكن الفرار منها ولا الفكاك عنها، ولا تكون كذلك، بل ينجو منها العبد، وسرعان ما يقع في فتن أخرى فيقول: إذا انكشفت الفتنة الأولى فلا تنكشف هذه فتنكشف، فيقع في الثالثة فتتبعها أختها وتكثر الفتن في آخر الزمان، حتى يظن المسلم أنه في كل فتنة من الهالكين.
قال: [(وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضهاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه -أي: هي التي لا أخرج منها- فمن أحب أن يزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)].
وهذا كلام جميل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذّر من الفتن، إذ تكثر ويرقق بعضها بعضاً، ويسلّم بعضها إلى بعض؛ وموقفي أنا كمسلم موحد أن أؤمن بالله واليوم الآخر.
كان عبد الله بن عمر إذا عُرضت عليه الفتنة قال: آمنت بالله ورسوله.
يتأول هذه النصوص.
وكان غير واحد من السلف يفعلون ذلك، وإذا أتت الفتنة كانوا أحلاف بيوتهم.
أي: يغلقون على أنفسهم بيوتهم، وينكسون سيوفهم ويقولون: آمنا بالله ورسوله، ولا شك أن موقف المسلم من الفتنة بين ثلاثة مواقف: الموقف الأول: إذا كان الحق في الفتنة ظاهراً وواضحاً وجب على الناس أن يعينوا صاحب الحق على المبطل، وجب عليهم ذلك ولا يسعهم المخالفة، وذلك إذا كانت الإعانة والنصرة في مقدورهم.
والموقف الثاني: يحرم عليهم إعانة المبطل على المحق.
الموقف الثالث: إذا لم يكن للفتنة جانب رابح، لا يعرف أيهما على الحق وأيهما على الباطل، وأين الحق في هذه الفتنة؟ فإن واجب المسلم حينئذ أن يكف يده عن تلك الفتنة أبداً.
وهذا ما فعله سلف الأمة.
قال: [(فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته)] أي موته (وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس) أي: يبذل إلى الناس (الذي يحب أن يؤتى) أي: من الخير.
قال: [(ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه)]؛ لأن البيعة لا تكون إلا باليد، وتكون باللسان، لكن صورة البيعة غالباً وضع اليد في اليد.
قال: [(فليطعه إن استطاع)] إذا كنت قد بايعت إماماً فأطعه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
قال: [(فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)].
إذا جاء إمام آخر وزعم الإمامة والخلافة ينازع بها الإمام الأول فادفعوه وادرءوا ما استطعتم، فإن لم يكن دفعه ممكناً إلا بقتله قُتل.
يعني: ادفعوه وبيّنوا عواره وفساده م