[الجمع بين حديث: (لعن الله السارق) والنهي عن اللعن]
الحديث الأخير يقول: [(لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده)].
هذا الحديث فيه مبحثان: الأول: مسألة اللعن، وقد وردت نصوص كثيرة جداً بإثبات اللعن، كما وردت أيضاً نصوص كثيرة جداً بالنهي عن اللعن، فكان لابد من الجمع بين النصين لوجود التعارض بينهما: نص يأمر باللعن أو يلعن ونص آخر ينهى عن اللعن، فما هو التوفيق وما هو السداد في هذا؟ قال أهل العلم في الجمع بين ذلك: لا بأس بلعن معين، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق) فهذا يعني: جواز لعن السارق بعينه إذا سرق.
وهذا الرأي إن لم يكن مرجوحاً فهو ضعيف.
والمذهب الحق -وهو ما عليه جمهور أهل السنة- أن لعن المعين لا يصح ولا يجوز، فلا يجوز أن أقول: لعن الله زيداً لأنه سرق، وإنما أقول: لعنة الله على السارق، لعنة الله على الظالم، لعنة الله على الفاسق، وغير ذلك مما هو لعن للوصف لا للفرد، فقولي: لعنة الله على الظالمين لعن للوصف، لكني لو قلت: لعن الله فلاناً لأنه ظالم فهذا لعن للفرد.
ولعن الكافر فيه نزاع بين أهل العلم، والإمام النووي نقل مذهب كثير من العلماء: أنه لا يجوز لعنه إلا إذا مات على الكفر؛ لأن اللعن هو الطرد من رحمة الله عز وجل، وربما إذا لعنت الكافر دخل في الإسلام فكنت أنت في مأزق، لكنك لو قلت: لعن الله الكافرين؛ لكان هذا أولى وأحوط؛ ولذلك قال الإمام النووي في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) قال: هذا دليل جواز لعن غير المعين من العصاة.
إذاً: لعن المعين لا يجوز، فإذا كان في هذا الحديث جواز لعن غير المعين من العصاة، فمفهوم المخالفة منه أيضاً: أنه لا يجوز لعن المعين من العصاة؛ لأن لعن غير المعين من العصاة هو لعن للجنس لا للمعين، كما قال الله عز وجل: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨] فهذا لعن لجنس الظالمين، وليس لظالم معين بذاته، وأما المعين فلا يجوز لعنه.
قال القاضي: وأجاز بعضهم لعن المعين ما لم يحد -أي: ما لم يقم عليه الحد- فإذا حد لم يجز لعنه، فإن الحدود كفارات لأهلها.
قال القاضي: وهذا التأويل باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن اللعن، فيجب حمل النهي على المعين ليجمع بين الأحاديث.
إذاً: يجوز لعن الصفة لا لعن الموصوف.
والأصل: أن القول مقدم على الفعل، فقوله عليه الصلاة والسلام مقدم على فعله لكن هذا عند الخلاف، فإذا وقع خلاف بين قوله وبين فعله عليه الصلاة والسلام فمع وجود الترجيح يقدم القول؛ لأن القول أمر أو نهي للأمة.
أما إذا لم يكن هناك اختلاف فقد جرت عادة المصنفين على تقديم القول أو تقديم الفعل كلاهما سواء، ولا خلاف هنا، لكن لفظ النبوة أضبط؛ لأنه أحصر لمسائل الباب من قول عائشة رضي الله عنها؛ فهي حكت فعله وهو وجه أمره أو نهيه للأمة، فلا خلاف بين النصين.