للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المتكلمين إنكار زيادة الإيمان ونقصانه]

قال: (وأنكر أكثر المتكلمين زيادة الإيمان ونقصانه، وقالوا: متى قبل الزيادة كان شكاً وكفراً)، يعني: بعض المتكلمين وبعض علماء المسلمين الذين تأثروا بالفلسفة قالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه لو قبل الزيادة لقبل النقصان، وإذا قبل النقصان كان شكاً، ويقولون: إن الإيمان هو التصديق، فلو قبل النقصان لكان شكاً، ومن شك في الله كفر، وهذا القول مردود؛ لأننا نتكلم عن زيادة الإيمان ونقصانه غير المتعلق بأولى المنازل التي هي التصديق، ومعلوم أن الإيمان منازل ومراتب، فأول منزلة فيه التصديق، ثم بعد ذلك يزيد مراتب متعددة على حسب الطاعات والأعمال الصالحة وأعمال البر، والإيمان بهذا يقبل الزيادة والنقصان.

وهم عندما يقولون: إن الإيمان إذا قبل النقص صار شكاً، إنما يتكلمون عن أصل الإيمان وهو التصديق بالله عز وجل وبفرائض الإيمان، ونحن إن وافقناهم على أن أصل الإيمان والمرتبة الأولى هي التصديق إلا أنا نقول: إنها تزيد وتنقص، ونقصان التصديق لا يلزم منه وقوع الشك؛ لأن التصديق نفسه مراتب، ولا يلزم من نزول الشخص من مرتبة إلى مرتبة في داخل المنزلة الأولى من منازل الإيمان -وهي التصديق- أن يكون شاكاً في الله عز وجل، ولو قلنا: إن نقصان التصديق يستلزم الشك لقلنا: إن إبراهيم كان شاكاً في الله عز وجل، وهذا محال.

فالرد عليهم: أن الإيمان يزيد وينقص، حتى وإن كانت هذه الزيادة والنقصان في أصل الإيمان والمنزلة الأولى منه، وهي التصديق، وذلك لا يستلزم شكاً؛ لأن هذه المنزلة الأولى على مراتب أيضاً عند أهل السنة والجماعة، فليس إيمان النبيين كإيمان الصديقين، ولا كإيمان الشهداء، فكل له مرتبة ومنزلة.

قال: (قال المحققون من أصحابنا المتكلمين -أي: الشافعية- نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص -وعندنا أن نفس التصديق يزيد وينقص- والإيمان الشرعي يزيد وينقص -فهو يتكلم هنا عن الإيمان الشرعي باعتبار العمل يزيد وينقص- بزيادة ثمراته -أي: بزيادة أعمال الطاعات والبر ونقصانها- قالوا: وفى هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف، وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون، وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهره حسناً إلا أن الأظهر والله تعالى أعلم أن نفس التصديق -والكلام للإمام النووي - يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة -أي: يزيد بكثرة النظر والتفكر في آلاء الله عز وجل، وتظاهر الأدلة- ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم؛ بحيث لا تعتريهم الشبه).

ولو جلست مع رجل من أهل البدع وألقى عليك شبهة فإنك ستتزعزع، مع أن عندك شيئاً من أصل التصديق، فالتصديق نفسه يزيد وينقص.

قال: (ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة، وإن اختلفت عليهم الأحوال.

وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك -وإن كان مسمى الإيمان يشمل الجميع- فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس، ولهذا قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل).