وهناك جماعة من المحدثين اقتصر في الرواية عنهم على ذكر أسمائهم دون أنسابهم، إذا كان ذلك لا يشكل، فلو قلت: حدثنا زهير بن حرب فلن تسأل عنه أبداً؛ لأنه واحد فقط، ولو قلت: عبد الله بن المبارك، فهو واحد فقط، ولو قلت: أحمد بن حنبل فهو واحد فقط، بل ربما لو ذكرته بكنيته لخفي أمره، فلو قلت: قال الفقيه أبو عبد الله لما عرفته؛ لأن الفقهاء كثير منهم تكنوا بهذه الكنية، ولو قلت: قال أحمد بن حنبل لعلم عند العوام قبل الخواص أنه الإمام الجليل المحدث الفقيه، فربما اقتصر على بعض ذكر أسماء المحدثين دون ألقابهم ودون كناهم؛ لتميزهم وأمن اللبس والاختلاط بغيرهم.
وقد قال سلمة بن سليمان: أخبرنا عبد الله، فقال له رجل: عبد الله ابن من؟ فقال: يا سبحان الله! -فـ عبد الله الذي في طبقته هو عبد الله بن المبارك - أما ترضون في كل حديث حتى أقول: أخبرنا عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي الذي منزله في سكة كذا؟ وهذا كالشيخ ابن عثيمين، مشهور في القصيم في عنيزة باسمه وليس بنسبته، فهو مشهور هناك بالشيخ محمد، فإذا ذكر هناك الشيخ محمد فلا يجوز لأحد أن يسأل: الشيخ محمد من؟ لأنه إذا ذكر الشيخ محمد فإنما هو علم على مسمى علم أيضاً، وهو الشيخ ابن عثيمين.
فقال سلمة: إذا قيل بمكة عبد الله فهو ابن الزبير، يعني: إذا قيل عبد الله المكي فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالمدينة فهو عبد الله بن عمر الصحابي، وإذا قيل بالكوفة فهو عبد الله بن مسعود الصحابي رضي الله عنه، وهو إمام أهل الكوفة، وإذا قيل بالبصرة فهو عبد الله بن عباس؛ لأنه رحل إليها، وإذا قيل بخراسان عبد الله فإنما هو ابن المبارك.
وربما لم ينسب المحدث إذا كان اسمه مفرداً عن أهل طبقته، كـ مسلم بن خالد المكي الملقب بـ الزنجي، فلو قيل: حدثنا الزنجي، فإنه لا يوجد أحد اسمه الزنجي غير هذا، وقد قال عنه ابن أبي حاتم: مسلم بن خالد الزنجي إمام في الفقه والعلم، وكان أبيض مشرباً بحمرة، وإنما لقلب بـ الزنجي لمحبته التمر، قالت جاريته له ذات يوم: ما أنت إلا زنجي، يعني: أنت تحب التمر فقط وليس لك في العمل، وهذه النسبة فيها نظر كبير، والعرب لا تعرف هذا الأسلوب في النسبة، والراجح ما قاله سويد بن سعيد فقد قال: سمي مسلم بن خالد الزنجي؛ لأنه كان شديد السواد، وهذا هو الراجح، وإلى الآن يقال للسود زنوج، وليس هذا من باب التنابز بالألقاب وإنما من باب التمييز، فهؤلاء السكان في هذه البقعة تغلب عليهم السمرة، وليس هذا قادحاً فيهم، بل ربما يقدح فينا؛ لأنه ليس لأبيض على أسود ولا لعجمي على عربي فضل إلا بالتقوى.