للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني ابن وهب -وهو عبد الله بن وهب المصري القاضي - قال: أخبرني يونس -وهو ابن يزيد الأيلي - عن ابن شهاب -أي: الزهري محمد بن مسلم - قال: (ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد الروم، ونصارى العرب بالشام)].

قال: [قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبيد الله بن كعب كان قائد كعب].

وفي بعض الروايات: أنه عبيد الله بن كعب، والصواب: أنه عبد الله لا عبيد الله، وهي الرواية المتفق عليها عند البخاري ومسلم، فلم يذكر البخاري غير عبد الله، وأما الإمام مسلم فذكر في رواية: أنه عبد الله، وذكر في رواية أخرى: أنه عبيد الله، والصواب: عبد الله.

قوله: إن عبد الله بن كعب كان قائد كعب من بنيه، يعني: كان يقوده حين عمي؛ لأن كعب بن مالك عمي لما كبر.

قال: [سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك].

إذاً: فقصة توبة هؤلاء الصحابة كان في غزوة تبوك.

قال كعب بن مالك [(لم أتخلف عن رسول صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط)].

وهذا يعني: أنه غزا معه كل الغزوات إلا ما استثناه كعب.

قال: [(إلا في غزوة تبوك)].

أي: هذه التي حصلت فيها هذه القصة.

قال: [(غير أني قد تخلفت في غزوة بدر)].

يريد أن يقول: إن تخلفي عن غزوة بدر كنت معذوراً فيه، كما أن الله عز وجل، ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام لم يعتبا أحداً في تخلفه عن غزوة بدر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج إلى ماء بدر لم يقصد ملاقاة عدو، أي: لم ينو قتالاً؛ ولذلك لم يدع الناس إلى هذه الغزوة.

قال: [(ولم يعاتب أحداً تخلف عنه)].

أي: في غزوة بدر.

قال: [(إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش)].

وهي القافلة من الإبل والبقر والغنم وغيرها مما يكون مع القافلة في سفرهم، وفي هذا الكلام فضيلة ظاهرة لأهل بدر، والنبي عليه الصلاة والسلام ينقل عن ربه سبحانه وتعالى فيقول: (لعل الله اطلع على قلوب أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم).

كما أن فيه إباحة الغنائم لهذه الأمة، فالنبي عليه الصلاة والسلام خرج يريد عير قريش وهي غنيمة، ومن المعلوم أن هذه خاصية من خواص النبي عليه الصلاة والسلام، ومن خواص الأمة من بعده إلى قيام الساعة؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (وأحلت لي الغنائم -أي: لي ولأمتي- ولم تحل لأحد من بعدي)، وربما يتمسك أحد بقوله عليه الصلاة والسلام: (وأحلت لي الغنائم) بأنها خاصة له دون الأمة، وهذا فهم ظاهري للنص، فالسنة العملية للنبي عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، ومن بعدهم إلى يومنا هذا تبين أن الغنيمة حلال لهذه الأمة إلى قيام الساعة، فقد كانت حلاً للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وشرع له أن يقسم الغنائم في أصحابه، وفي كتب التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم شيئاً جعل للفرس سهمين، وللفارس سهماً، أي: أنه كان يوزع الغنائم على أصحابه، ولو كانت حلالاً له دون أصحابه ودون بقية الأمة؛ لم يفعل شيئاً من ذلك.

قال: [(حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد)].

وهذا في غزوة بدر.

قال: [(ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة)].

وليلة العقبة هذه إما أن تكون الأولى، وإما أن تكون الثانية، وأنتم تعلمون أن الأنصار الذي بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام ليلة العقبة الأولى كانوا اثني عشر رجلاً، وفي ليلة العقبة الثانية بايعه من الأنصار سبعون رجلاً وامرأتان، والعقبة: اسم مكان قريب من منى.

قال: [(ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام)].

يعني: حين تبايعنا على الإسلام، والتزمنا به.

قال: [(وما أحب أن لي بها مشهد بدر)].

يعني: أن هذه البيعة التي كانت في العقبة هي أعظم أثراً من غزوة بدر، ولكن غزوة بدر حازت شهرة بين الناس؛ لفضلها ومنزلتها في الإسلام، ولكن أعظم منها -غير أنها ليست مشهورة- البيعة التي تمت ليلة العقبة.

قال: [(وإن كانت بدر أذكر في الناس منها)].

يعني: يذكرها الناس؛ وهي مشهورة بينهم.