يقول العلماء: الأصل في اليمين الكراهة، حتى لا نتخذ الله تعالى وأسماءه وصفاته عرضة لأيماننا، وهذا قد ورد الإرشاد إليه في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
والأصل أن المسلم صادق في قوله وفي فعله وفيما أخبر عنه بغير أن يضطر إلى اليمين، ولكن الإنسان يضطر أحياناً إلى اليمين، والنبي عليه الصلاة والسلام -وهو الصادق المصدوق- كان يحلف من غير أن يستحلف، والعلماء مجمعون على أن ذلك كان منه عليه الصلاة والسلام لبيان أهمية المحلوف عليه، أو لتنبيه المستمع لليمين إلى عظم الأمر الذي يقسم عليه النبي عليه الصلاة والسلام، لكن كثرة الحلف مكروهة بلا شك.
وأحياناً يجب اليمين على المرء وجوباً شرعياً.
وبعض القضايا والجنايات والتهم يلزم فيها يمين، بل لا تبرأ ساحة المتهم إلا باليمين، والنبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد الواحد مع اليمين، وهناك قضايا كثيرة جداً في الحدود والجنايات يقضى فيها باليمين، فلا يأتي شخص وهو في قفص الاتهام وواقف في المحكمة أمام القاضي ويقول: الأصل في اليمين الكراهة، وأنا لا يمكن أن أحلف باليمين، ولا يحل له ذلك، بل يجب عليه أن يقسم، ولو كانت براءته متعلقة باليمين فلم يحلف فاتهم فقتل أو أعدم أو سجن أو غير ذلك فإنه يأثم بذلك، ولو قتل لعُد منتحراً.
وبعض الناس يتهم بسرقة بعض المال أو المتاع، ولا يكون مع القرائن والبينات محل اتهام إلا هو، فيأتي به صاحب الشيء المسروق ويقول له: يا فلان! قامت القرائن على أنك سارق هذا المال، وهذا عندنا ظن، وينتفي هذا الظن بيمينك، وإلا اضطررنا إلى الكلام على أنك السارق، فيقول: أنا لا أحلف على أشياء تافهة مثل هذه، وهذا الكلام لا ينفع؛ لأن هذا دين، ولو كان ديناراً واحداً، فإن اتهمت ذمتك به فإنه يلزمك على ذلك اليمين لتبرئة ساحتك، وعدم إطلاق الناس ألسنتهم في عرضك، فحتى لو دفعت لهم ألف جنيه أو ألفين والمسروق جنيهاً واحداً فلن يسلم عرضك من ألسنتهم، ولذلك يقال: من كان سبباً في اتهام الناس له فلا يلومن إلا نفسه، وجاء الشرع بحث المسلم على أن يبتعد عن مواطن الشبهات، حتى لو كانت الشبهة ليست مما يقطع بحرمتها، فالأصل في المسلم أن يبرئ دينه وعرضه من الوقيعة فيه، ومن ألسنة الناس أن تنطلق حداداً في عرضه.
وقوله:(فمن كان حالفاً) يعني: فمن اضطر إلى الحلف، أو من أراد أن يحلف، وهذا يدل على أن الأصل عدم الحلف، ولكن إذا اضطر إلى الحلف فليكن يمينه بالله عز وجل.
والرجل منا الآن يقسم أيماناً مغلظة بالله وأسمائه التسعة والتسعين، ولو أنه علم من أسماء الله تعالى أكثر من ذلك لأقسم بها وكلها أيمان كاذبة، وهو يعرف أنه كاذب، ثم إذا امتحن في عزيز لديه قال: لا أقسم، وهذا كلام عظيم جداً في أن يتهاون المرء في أن يقسم بالله، يعني: إذا طلب منه اليمين كأنه يقول: جاء الفرج، وهذا مثل شخص تقول له: تحلف يميناً أنك لم تسرق؟ فيقول: نعم أحلف ألف يمين، فإذا قيل له: لا داعي أن تحلف، بل قل: امرأتي طالق إن كنت سرقت، فيقول لك: لا، لقد طلقت قبل ذلك مرتين، ويجعل الله تعالى أهون من فقدانه لامرأته، وهذا بلاء عظيم جداً، والأصل أن يفضل المرء أن يقطع إرباً ويرمى في النار ولا يقسم بالله العظيم كذباً إلا في مواطن أجازها الشرع للضرورات القصوى وستأتي معنا.