[بيان مقدار تخفيف الصلاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]
السؤال
إذا كان صحيحاً فما بالنا لا نعمل به لا سيما ونحن ندّعي بأننا متمسّكون بالسنة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا، فأنا أرى أن الصلاة أكثر تخفيفاً مما أراده النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الذي أمر بالتخفيف هو الذي كان يصلي بالناس، فكان يصلي الفجر من الستين إلى المائة آية، ولا أحد يصلي الآن من الستين إلى مائة آية إلا ما ندر، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي الظهر بعد الفاتحة بالثلاثين آية.
أي: بحوالي ربعين.
ونحن نصلي الظهر والعصر بالكوثر والإخلاص، وبالكاد أحدنا يُدرك الكوثر والإخلاص وراء الإمام، وإذا دخل المسجد وصلى خلف إمام لا يعرفه وحسّن به الظن، أو خاف على نفسه ألا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة بدأ بالكوثر احتياطاً؛ لكي يدرك أي آية، بل منا من لا يدرك إتمام فاتحة الكتاب، ولو أنك قرأت دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام يقيناً لا تدرك شيئاً لا أقول: من الفاتحة، وإنما من القرآن بعد الفاتحة، فهذا هو التخفيف الذي تريده أنت، أما التخفيف الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام فإنه قد ورد أن أحدهم كان إذا سمع الأذان انطلق من عمله إلى بيته، فتوضأ وصلى السبحة -أي: السنة- ثم أتى إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام من عوالي المدينة وأطرافها، فأدرك معه الركعة الأولى.
هذا هو تخفيف النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان يجعل العصر على النصف من الظهر، أي: إذا كان يقرأ في الظهر بثلاثين آية يقرأ في العصر بخمس عشرة آية، وكان يصلي المغرب فيطيل فيها، حتى إنه صلى مرة بسورة الأعراف كاملة، والأصل في صلاة المغرب التطويل.
أي: أن المغرب أطول من صلاة الظهر، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها بطوال المفصّل.
أي: بالسور الكبيرة التي تبدأ من (ق) أو (الأحقاف) على خلاف بين العلماء في المفصّل، فكان يقرأ في المغرب بالسورة أحياناً وبالسورتين أحياناً من طوال المفصّل.
هل نحن نعمل هذا؟ فلو أنه أتى من يصلي بنا هنا بالأعراف ما الذي سيحدث؟ سوف ينهره كل من في المسجد حتى السنّية ويقولون: ما هذا؟ ألم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف؟ مع أن الذي أمر بالتخفيف هو الذي صلى بهذه السورة، وإن صلى بها مرة واحدة فأنا لم أصل بها إلا مرة واحدة، فلِم تنقمون علي؟ فيقولون: النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي بها كل يوم.
أقول: وهل أنا صليت بها كل يوم؟ فهذا لم يحصل إلا مرة واحدة، لكن لا بد أن يتوجه اللوم والإنكار؛ وذلك لأنهم لم يحفظوا من الدين إلا التخفيف، وما علموا مقدار التخفيف.
صليت بالناس في بلد من البلدان صلاة المغرب بآية الكرسي وسورة الضحى، فقام الكل عليّ قومة رجل واحد ليس فيهم رجل رشيد، ولا واحد دافع عنّي فالكل اتهمني، فأتوا رجلاً فيهم هو الموظف الوحيد فيهم، ويرون أن هذا الرجل هو عالمهم مع أنه لا علاقة له بالدين، لكن ما دام موظفاً ومتعلماً ومعه إعدادية قديمة فهو الأمل في البلد كلها، وبعد هذا اضطررت أن أقف في المحكمة متهماً أمامه، وقد عقدت هذه المحكمة في المسجد.
قال: أنا أوافقك على سورة الضحى، أما آية الكرسي فلا.
قلت له: لماذا؟ قال: لأن الصلاة باطلة إلا بثلاث آيات فأكثر، إنما أقل من هذا فلا، فآية الكرسي آية واحدة! فكان عليك أن تجمع معها آيتين أخرى ولو من سورة الضحى! فأي كلام هذا؟ وأي تخريف؟ يقولون لك: النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف، وكل واحد فهم التخفيف على مزاجه.
نقول: إذا كان هناك نصوص ظاهرها التعارض فلا بد من حمل بعضها على البعض، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية بيّنت ذلك كله، فنحن رغم أننا سنيون متمسكون إلا أننا أيضاً ملتزمون بكلام النبي عليه الصلاة والسلام.
ثبت في حديث معاذ بن جبل أن معاذاً كان إمام قومه، وكان يصلي العشاء الآخرة مع النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم وكان إمامهم، فصلى فأطال الصلاة، ففارقه حرام بن ملحان رضي الله عنه، فلما بلغ معاذ أن حراماً فارقه قال: والله إنه لمنافق، لأرفعن أمره إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد سبقه بالشكوى حرام وهو أخو أم سُليم أم أنس بن مالك فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل: (أفتّان أنت يا معاذ؟! صل بهم بـ (الشمس وضحاها) و (الليل إذا يغشى)).
قال العلماء: هذا هو القدر المشروع في صلاة العشاء، ولا يمنع الزيادة عن ذلك ولا الإقلال من ذلك، لكن غالب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء بهذا القدر، وكان يفعل ذلك ويأمر به عليه الصلاة والسلام.
فأذكركم بما يحدث الآن في أمريكا من حرائق في الغابات أسأل الله تعالى أن يحرق أبدانهم وقلوبهم، فأكثر من (٤٠٠٠) منزل قد التهمتها النيران، وإخلاء كثير من المدن، وما يحدث في روسيا من فيضانات وموت العشرات، وقتل كثير من الصينيين أيضاً في الفيضانات، وتخريب المباني والكباري، هذا بالإضافة إلى الخ