[شرح الأحاديث الواردة في عقد النبي لصوم النافلة في النهار ثم قطعه بدون عذر]
قال: [حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا طلحة بن يحيى بن عبيد الله حدثتني عائشة بنت طلحة -هي عمة طلحة - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة! هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت: يا رسول الله! ما عندنا شيء)] أي: ليس عندنا طعام، وهذا يبين ما كان عليه الصلاة والسلام من زهادة وقلة في مطعمه ومشربه.
قال: [(قال: فإني صائم -يعني: غير نيته في أثناء النهار- قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية، أو جاءنا زور)] يعني: جاءنا زوار، ومن شأن الزائر أنه يحمل معه هدية؛ لأنهم يعلمون حال بيوت النبي عليه الصلاة والسلام، فكانوا يهدون له الحيس وهو التمر المخلوط بلبن وأقط، أو يهدون إليه ذراعاً من شاة؛ لأنهم يعلمون أنه يحب الذراع، أو يهدون إليه أي طعام، وأحياناً كانوا يهدون إليه الحلوى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحب الحلوى ويأكلها بالبطيخ، كما جاء عند البخاري (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل الحلوى بالبطيخ ويقول: حر هذا يطفئه برد ذاك) يعني: حر الحلوى يطفئه برد البطيخ.
قال: [(قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله! أهديت لنا هدية أو جاءنا زور وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً، لكني أفطرت الآن) بعد أن قال: (إني صائم) ليس هناك عذر ومع ذلك أكل، ومع أنه قد عقد نية الصيام وقال:(إني صائم)، وكان الأولى أن يتم صومه، ولكنه خالف الأولى لبيان الجواز، وأن الصائم المتطوع أمير نفسه، لكن هل يلزمه إعادة صيام هذا اليوم؟ على خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: يلزمه، ومنهم من قال: لا يلزمه، والذي قال: لا يلزمه.
رأيه أرجح من غيره.
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها قالت: (دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل)] هذه الحادثة واحدة، ولا يضرك قولها:(يوماً آخر)؛ لأنه أفطر بعد أن كان صام في ذلك اليوم بالذات.