[حكم عقد البيعة لأكثر من إمام في وقت واحد]
قال: (فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم.
فإن الله سائلهم عما استرعاهم).
في هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: (ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه -الخليفة الثاني -طلبها- في وجود الخليفة الأول- وسواء عقدوا البيعة للثاني عالمين بعقد بيعتهم للأول أو جاهلين بها، وسواء كانا في بلدين أو في بلد واحد أو أحدهما في بلد الإمام، وهو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء.
وقيل: تكون البيعة للخليفة الذي بويع في بلد الإمام.
وقيل: يُقرع بينهما، وهذان فاسدان).
كأن يكون قد بايعت لخليفة معيّن، ثم ظهر خليفة آخر في نفس البلد، فكيف يهدم حق الإمام الأول وتلغى البيعة له؟ فمنهم من قال بإجراء القرعة بينهما.
قال: (واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يُعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أو لم تتسع.
وقال إمام الحرمين الإمام الجويني في كتاب الإرشاد -وكان أصولياً مقنناً- قال أصحابنا -أي الشافعية- لا يجوز عقدها لشخصين -أي: لا تجوز البيعة لشخصين- قال: وعندي: أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد -أي: في بلد واحد- وهذا مجمع عليه) أي: هذا محل اتفاق.
قال: (فإن بَعُدَ ما بين الإمامين، وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال).
أي أن إمام الحرمين يقول: أنا أوافق من قال: إنه لا تجوز البيعة لخليفة ثان في ظل البيعة للخليفة الأول إذا كانا في بلد واحد، أما إذا اتسعت وشسعت المسافة بينهما فيحتمل أن تصح البيعة لكل منهما.
قال: (وهو خارج عن القواطع.
وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين).
(خارج عن القواطع): أي: أن هذا الكلام كلام ينقض المقطوع به ضرورة وشرعاً وحكماً: أنه لا تجوز عقد البيعة لإمام ثانٍ مع وجود الإمام الأول.
قال: (وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل -أي: من أصحاب الأصول- وأراد به إمام الحرمين) أي: أنه يريد أن يرد عليه ويقول له هذا كلام فاسد من إمام الحرمين، ولا يجوز اتباعه على ذلك.
(وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف، ولظواهر إطلاق الأحاديث، والله تعالى أعلم).