للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث البراء بن عازب في صلح الحديبية]

[حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي -وهو معاذ العنبري - حدثنا شعبة عن أبي إسحاق -وهو السبيعي - قال: سمعت البراء بن عازب يقول: (كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية)].

أي: أن الذي كان يكتب حينذاك وثيقة الصلح بين المسلمين والكافرين هو علي بن أبي طالب، وهذا يدل على أن علياً كان كاتباً ولم يكن أمياً.

قال: [(فكتب: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله)] أي: ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [(فقالوا: لا تكتب: رسولُ الله، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك)] أي: إذا أردت أن تكتب فاكتب: هذا ما كاتب عليه محمد بن عبد الله؛ لأننا لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، فكيف تحتج علينا بصفة لا نؤمن بها، ولا بد أن نتناقش بلغة نتفق عليها.

قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ علي: امحه)] أي: امح كلمة: رسول الله، واكتب: محمد بن عبد الله.

قال: [(فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه)] وليس هذا من باب الرد على النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا من باب الأدب الزائد مع النبي عليه الصلاة والسلام، وأحياناً يكون الشيء في نظر العرف يتنافى مع الأدب، وهو في حقيقته عين الأدب، كما كان السلف يفعل بعضهم مع بعض، فغير واحد من علماء السلف كان يتعامل مع شيخه بالليل أنه يمشي أمامه وبالنهار يمشي خلفه، فلما سُئل عن ذلك؟ قال: أخشى أن تدركه حفرة فيقع فيها، أما بالنهار فالطريق مكشوفة فهو يمشي أولاً، ولا شك أن الولد إذا مشى أمام والده أو التلميذ مشى أمام شيخه يدل هذا على سوء الأدب، ولكنه ليس من سوء أدب عند التحقيق إذا دعت إلى ذلك الضرورة، والأصل أن يتقدم الشيخ وأن يتقدم الوالد، والسلطان، وأصحاب الوجاهات، ويكون الأتباع من ورائهم.

قال: [(فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه)] وفي رواية: (ما أنا بالذي أمحوه).

قال: [(فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.

قال: وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثاً)] الذي اشترط هذا الشرط هم المشركون، ودخول مكة يكون في العام المقبل؛ لأن الرواية هذه مختصرة جداً.

حصل الاتفاق بين المشركين وبين النبي عليه الصلاة والسلام، وكان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الاتفاق هو علي بن أبي طالب، والذي ناب عن قريش هو سهيل بن عمرو، وكان هذا الصلح له ثلاثة شروط: الشرط الأول: ألا يدخلوا مكة من هذا العام ويدخلوها من العام المقبل، ويمكثوا بها ثلاثة أيام فحسب، ولا يأتوا معهم من السلاح والكراع إلا الشيء اليسير.

الشرط الثاني: أن يرد المسلمون من أتاهم من المشركين مسلماً.

الشرط الثالث: ألا تُلزم قريش برد من أتاها مرتداً.

أي: أن الذي يأتي إلى قريش من طرف محمد يقبلونه، ولا يلزمون برده، أما الذي يأتي مسلماً من قريش إلى محمد عليه الصلاة والسلام فلا يقبل، بل يجب على المسلمين رده.

قال: [(وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثاً، ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح)] أي: الأجربة اليسيرة التي يوضع فيها السهم والرمح، أي: أنها أشياء لا تصلح للقتال إلا شيئاً يسيراً.

[قلت -أي: قال شعبة - لـ أبي إسحاق: وما جلبان السلاح؟ قال: القراب وما فيه] أي: الجراب الذي يوضع فيه السيف.

وإنما اشترطوا هذا لوجهين: الوجه الأول: ألا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين.

أي: لتقول قريش: أن محمداً دخل بغير سلاح؛ لأنه لو دخل بسلاح فإنه سيدخل في صورة الداخل الفاتح المنتصر، فهم لا يريدون ذلك.

والثاني: أنه إن عُرض فتنة يكون هناك صعوبة في الاستعداد بالسلاح، أي: لا يجد سلاحاً يدافع به عن نفسه، ومع هذا رضي النبي عليه الصلاة والسلام بهذا.

[حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو المعروف بـ غندر - حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول: (لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي كتاباً بينهم.

قال: فكتب: محمد رسول الله) ثم ذكر بنحو حديث معاذ غير أنه لم يذكر في الحديث: (هذا ما كاتب عليه)].