للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام]

قال: [باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام] يعني: من أول الإهلال لمن ساق هديه، طبعاً هذا الكلام بالنسبة للقارن إذا ساق الهدي، بل يجب عليه أن يسوق الهدي من الميقات إذا تيسر له ذلك، وإلا فبنيته يلتقط من أي مكان.

قال: [قال ابن عباس رضي الله عنهما: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن معنى أشعرها: جرحها وخدشها -وسلت الدم- يعني: نظف الدم في موضع الجرح- وقلدها نعلين) يعني: ألبسها نعلين، أتى بجلد فربطه على مؤخرة قدم هذا الهدي، قال: (ثم ركب راحلته) لم يركب التي قلدها وأشعرها، وإنما واحدة أخرى غيرها؛ لأن الهدي لا يركب؛ فقد صار وقفاً لله عز وجل يمنع استخدامه.

قال: [(ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج)].

قلنا: إن من أهل من الميقات إنما يهل إذا استوت به ناقته أو دابته وانبعثت، وذكرنا أن بعض أهل العلم قال: إن الإهلال بالنسك سواء كان حجاً أو عمرة يكون بعد الصلاة وقبل أن يقوم من مقامه في مسجد الميقات.

والصواب: أنه يهل إذا ركب دابته وانبعثت به، أي: وقامت، فبعد أن يتحرك الباص يبدأ في الإهلال، أما الإهلال من المسجد أو بعد الصلاة أو من الساحة أو من البيداء المجاور للمسجد أو غير ذلك فكل هذا ليس صحيحاً، ولذلك ابن عمر قال: (هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتزعمون أنه ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عند الشجرة)، وقد بينا في الدروس الماضية أن الشجرة هذه كانت عند باب مسجد ذي الحليفة، ولكن عمر قطعها حتى لا يعبدها الناس من دون الله عز وجل.

إذاً: إذا ركب الرجل دابته وقامت أو تحركت بدأ في الإهلال، أما قبل ذلك وبعد ذلك فلا، فإنه إذا أهل بعد ذلك وجب عليه أن يذبح دماً؛ لأنه قد أهل بعد أن مضى، أو بعد أن عبر الميقات.

قال: (صلى الرسول عليه الصلاة والسلام الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم وقلدها نعلين، ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج).

والإشعار: هو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها، ثم يسلت الدم عنها، وأصل الإشعار والشعور: الإعلام والعلامة، ويقال: إشعار الهدي لكونه علامة له، وهو مستحب؛ ليعلم أنه هدي، فإن ضل رده واجده، وإن اختلط بغيره تميز؛ ولأن فيه إظهار شعار، وفيه تنبيه غير صاحبه على فعل مثل فعله.

وأما صفحة السنام: فهي جانبه، والصفحة مؤنثة، ومعلوم أن الإشعار سنة وليس بواجب، ويكون الإشعار في الإبل والبقر دون الغنم؛ لأن الغنم أضعف من أن تحتمل الجرح، فضلاً عن أن شعرها وصوفها ووبرها يغطي هذا الإشعار، فلا تكون له فائدة حينئذ.

قال: [قال أبو حسان الأعرج: (قال رجل من بني الهجيم لـ ابن عباس: ما هذه الفتيا التي قد تشغفت أو تشغبت بالناس أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم) قال له: ما هذا الذي عملت يا ابن عباس؟! أنت عملت فتنة في وسط الناس، أأنت قلت: إن الذي يطوف بالبيت يتحلل؟ قال له: نعم.

سنة نبيكم وإن رغمت أنوفكم، ولكن هذا للمتمتع.

قال ابن عباس: (لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل -وهذا زيادة من ابن عباس - قلت لـ عطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣]).

طبعاً هذا مذهب مخالف لمذهب جماهير الصحابة، فـ ابن عباس مخطئ في ذلك، فـ ابن عباس يقول: (من طاف بالبيت) فلو كان يقصد التمتع فكلامه منضبط، أما إذا كان يقصد أن مجرد الطواف يحل للطائف الحل ويحتج بقول الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣]، أي: الكعبة، فإنه سيكون مجرد وصول الأغنام أو الأبقار أو الإبل إلى البيت العتيق يجعل صاحب الهدي حلالاً وإن لم يطف؛ لأنه قال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣]، فهذا المذهب خطأ من ابن عباس، خالفه غيره من الصحابة.

ولذلك يقول النووي: هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات، ويرمي ويحلق ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل التحللان الكبير والصغير، ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاث التي هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف.

وأما احتجاج ابن عباس بالآية فلا دلالة له فيها؛ لأن قوله تعالى: {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ ال