وأما العزى فهي أحدث من اللات، ويقال: سموه اللات اشتقاقاً من اسم الله (الله)، وسموا العزى اشتقاقاً من اسم الله (العزيز).
وكانت بواد يسمى وادي نخلة، فوق ذات عرق، وذات عرق هي ميقات أهل العراق ومن مر بها من غير أهلها، وكانوا يسمعون منها الصوت، وقد قال أبو سفيان يوم أحد وهو يحارب النبي عليه الصلاة والسلام لما كان مشركاً: لنا العزى ولا عزى لكم.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(ردوا عليه، قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم)، وهذا هو التوحيد في مقابلة الشرك.
وقد جاء من حديث ابن عباس عند النسائي وأبي يعلى والبيهقي في الدلائل وأبي نعيم من طريق أبي الطفيل قال:(لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة)، أي: إلى وادي نخلة، وكان في الجهة اليسرى، فأتاها خالد بن الوليد وكانت على ثلاث سمرات، يعني: على ثلاث شجرات، السمرة هي الشجرة، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره أنه قطع الأشجار الثلاث، فقال: ارجع فإنك لم تقطع شيئاً، أي: لم تقتل العزى بعد، فرجع خالد، فلما نظرت إليه السدنة أمعنوا في الجبل، يعني: دخلوا في الجبل، وعلموا أنه أتى من عند من يأتيه خبر السماء، وأنه لم يقتل العزى بعد، فانطلقوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى! خبليه، وإلا فموتي رغم أنفك، يعني: إذا كنت إلهاً حقاً فخبليه، يعني: اجعليه مخبولاً مجنوناً، أو على الأقل اجرحيه، وشجيه، أو اكسري عظامه، وإلا فإن لم تكوني قادرة على ذلك فموتي رغم أنفك أو حتف أنفك، وتصور شخصاً يقول لإلهه هكذا، قال: فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة سوداء ناشرة شعرها، واضعة ثدييها على كتفيها.
وتصور هذا الموقف، امرأة ضخمة سوداء لها ثدي يزن القناطير، أو له طول عظيم جداً بحيث أنه يوضع على الأكتاف، وهي منتفشة الشعر، وتحثو التراب على رأسها، فهذا منظر مرعب فعممها خالد بسيفه فقتلها، فلما رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: تلك العزى، يعني: قد قتلت العزى، وكان خالد يتصور أن العرب يعبدون العزى وهي شجرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليست العزى، إنما العزى امرأة خلف هذه الأشجار الثلاثة، وأنه قطع الأشجار ولم يقتل العزى التي هي إلههم المزعوم الباطل، فلما رجع خالد رأى هذا المنظر فعلم أنها العزى، فعمها بالسيف فقتلها، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه هي العزى.
وكان خالد بن الوليد يقول لها: يا عزى! كفرانك لا سبحانك، إني رأيت الله قد أهانك.