ثالثاً: دلالة الفطرة على وجود الله عز وجل
والدلالة الثالثة على وجود الله عز وجل دلالة الفطرة، وكثير من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله عز وجل، حتى البهائم العجماوات تؤمن بوجود الله عز وجل.
وروي عن أبي الصديق الناجي في قصة سليمان: أنه خرج بقومه يستسقون، فوجد نملة نائمة على ظهرها أو مستلقية رافعة يديها أو رجليها إلى السماء تستسقي الله عز وجل، فقال سليمان لقومه: ارجعوا فقد سقيتم بدعاء النملة.
وهذه الرواية منقطعة بين أبي الصديق وسليمان عليه السلام، ولا تعرف هذه الرواية من قول النبي عليه السلام، ولا من قول أحد من أصحابه، وربما كانت من الإسرائيليات، وللإمام ابن القيم الجوزية عليه رحمة الله كلام كثير حول هذه الرواية في كتابه: اجتماع الجيوش الإسلامية.
والفطرة مجبولة على معرفة الله عز وجل، ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة -وفي رواية: إلا يولد على فطرة الإسلام- فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه).
فهذا الحديث يدل على أن الجبلة والفطرة الأولى التي خلق الله تعالى عليها الخلق أولاً هي فطرة التوحيد وفطرة الإسلام، ثم يأتي اللوث والنجس والوسخ بعد ذلك بسبب الآباء والمجتمعات، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، أي: يجعلانه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً.
وهذا الحديث يبين أن اليهودية والنصرانية والمجوسية من الكفر، وأن الإنسان إذا لم يكن مسلماً فلا بد وأن يكون كافراً.
وقد أشار الله عز وجل إلى دلالة الفطرة في قلب ابن آدم، فقال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:١٧٢].
وهذه آية الميثاق التي أخذها الله عز وجل على ذرية آدم، فالله عز وجل أخرج هذه الذرية من ظهر آدم وصلبه وأشهدهم على أنه تعالى هو ربهم وإلههم، فشهدوا بذلك وأقروا به، فقال الله عز وجل: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢]، أي: فلو قلتم هذا فلن يقبل منكم هذا العذر {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف:١٧٣].
وهذا أيضاً عذر أقبح من ذنب، وهو غير مقبول ومردود عليكم، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها.
فالذي يأتي بإحسان وبإسلام إلى الله عز وجل يتقبل الله تعالى منه ويجازيه جزاء المحسنين، ومن أتى بكفر وشرك وضلال فإن الله تعالى يعاقبه في الأولى والآخرة.