قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامه حماد بن أسامه عن طلحة بن يحيى -وهو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني نزيل الكوفة- عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار)].
أي: هذا فداؤك وخلاصك من النار في يوم القيامة، وهذا الكلام لا يعجب الملاحدة، وهو أن ربنا يجعل فكاك المسلم يوم القيامة من النار بيهودي أو نصراني، وليس معنى ذلك أن الكافر يدخل النار بسبب ذنوب المسلم، فربنا يقول:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤]، ولا يعذب المرء بجريرة غيره، ولا بذنب الآخرين، وإنما يعذب بذنبه وبكفره ولا يعذب بذنوب الآخرين.
قال: [وفي رواية عون بن عتبة، وسعيد بن أبي بردة: أنهما رأيا أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً أو نصرانياً، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات: هل أبوك حدثك عن رسول الله بهذا؟ فحلف له، قال: فلم يحدثني سعيد أنه استحلفه، ولم ينكر على عون قوله).
وفي رواية أبي موسى الأشعري عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى)].
والقول الثاني في الحديث الأول: يأخذ الذنوب التي على المسلمين ويضعها على اليهود والنصارى.
قال: [وفي رواية صفوان بن محرز قال: (قال رجل لـ ابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول في النجوى -أي: المناجاة التي بين العبد وبين الله يوم القيامة، وهو الكلام السر الذي لا يسمعه إلا العبد- قال: سمعته يقول: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل) -يعني: يقترب المؤمن من ربه عز وجل- حتى يضع المولى عز وجل عليه كنفه، فيقرره بذنوبه يقول له: أنت عملت كذا يوم كذا وكذا، فيقول: نعم يا رب! وعملت كذا يوم كذا وكذا، فيقول: نعم يا رب)].
فهو لا يستطيع أن ينكر، ولو أنكر ختم على فيه، وتكلمت جوارحه، فهذا موقف لا يصح فيه الإنكار، والمسلم يوم القيامة إذا حوسب وجوزي لا ينكر، وإنما الذي ينكر هم الكفار، فيختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم.
قال: [(فيقول: هل تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله)].