[شرح حديث أبي سعيد الخدري في رجم ماعز بن مالك في الزنا]
أيضاً: وفي حديث أبي سعيد الخدري: [(أن رجلاً من أسلم - هو ماعز - يقال له: ماعز بن مالك، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه علي)] يعني: فأقم علي الحد.
قال: [(فرده النبي صلى الله عليه وسلم مراراً.
قال: ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأساً)] هل هذا مجنون؟ قالوا: لا.
ما نعلم به جنوناً ولا بأساً ولا علة ولا آفة.
قال: (إلا أنه أصاب شيئاً) يعني: هذا الرجل كان على الستر والسلامة وكان من الصالحين، وما ارتكب شيئاً يشينه إلا هذا الشيء.
قال: [(يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد)] يعني: هذا الرجل لا نعلم عنه إلا خيراً، غير أنه قد ارتكب الفاحشة، وهو يرى أنه لا يخرج من هذا الذنب إلا بإقامة الحد عليه.
قال: [(قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نرجمه)] وليس في هذا الحديث ذكر أنه أقره أربعاً وإنما مرة واحدة.
قال: [(فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد)] وهو مكان بين البقيع وبين المسجد النبوي، فالمنطقة التي بين المسجد النبوي وبين بقيع الغرقد كانت منطقة يقام فيها الحدود، وتصلى فيها الأعياد، ويصلى فيها الاستسقاء وغير ذلك، فقد كانت خلاء أهل المدينة، وهي خلاء حقاً؛ لأنها صحراء فقد كان هذا المكان لصلاة العيد والاستسقاء والمحافل التي يجتمع لها الناس كصلاة الجنازة وغيرها؛ ولذلك يطلق عليه بعض أهل المدينة إلى يومنا هذا: (مصلى الجنائز)، مع أن الجنائز هناك يصلى عليها في المساجد الآن، لكن بعض أهل المدينة القدامى الذين أدركوا صلاة الجنازة خارج المسجد -وهو السنة- لا يزالون يطلقون على الساحة التي بين بقيع الغرقد وبين المسجد: مصلى الجنائز.
فقوله: (فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد) أي: إلى مصلى الجنائز.
قال: [(فما أوثقناه ولا حفرنا له)] يعني: ما ربطناه بالحبال كي نقيم عليه الحد ولا يهرب، والسنة أن يحفر للرجل كما يحفر للمرأة، المرأة يحفر لها إلى صدرها فتوضع في الحفرة وترجم بالحجارة حتى تموت، وهذا أستر لها حتى لا تنكشف عورتها.
أما الرجل فإنه يحفر له إما حفرة عظيمة أو حفرة يسيرة؛ ولذلك جاء في حق ماعز روايتان: رواية بين أيدينا: (فما أوثقناه ولا حفرنا له).
ورواية: (فحفرنا له وأقمنا عليه الحد) وكلا الروايتين صحيحة، والجمع بينهما: أن قوله: (حفرنا له) أي: حفرة يسيرة وليست حفرة عميقة، بل يمكن الهرب منها؛ ولذلك هرب منهم إلى الحرة فتبعوه حتى قتلوه هناك.
ومعنى: (فما أوثقناه ولا حفرنا له).
أي: ما ربطناه ولا حفرنا له حفرة عظيمة كما حفرنا لغيره ممن أقمنا عليه الحد.
قال: [(فرميناه بالعظم والمدر والخزف)] يعني: ما بكل شيء يمكن به الرمي، وهذا يدل على أن الحجارة غير متعينة.
يعني: لا يلزم أن نرجم بالحجارة، المهم أي شيء يحدث إزهاق الروح مما يمكن إلقاؤه، فإقامة الحد بالسيف ليس من السنة، لكن بالحجارة وما يقوم مقامها كالخشب ونحوه، كما أن الاستجمار ورد النص فيه أنه بالحجارة إلا أن الحجارة غير متعينة، وإنما الاستجمار بالحجارة وما يقوم مقامها.
قال: [(فاشتد واشتددنا خلفه)] يعني: أسرع يعدو هارباً.
قال: [(واشتددنا خلفه)] يعني: أيضاً نحن جرينا وراءه وما تركناه.
قال: [(حتى أتى عرض الحرة)] يعني: جانباً من جوانب الحرة.
قال: [(فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة)] والجلاميد: جمع جلمود، وهي الحجارة العظيمة.
قال: [(حتى سكت)] وفي رواية: (حتى سكن) والمعنى المراد: أنه مات.
قال: [(ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً من العشي)] يعني: في الليلة هذه قام النبي خطيباً عليه الصلاة والسلام.
[فقال: (أوكلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا)] يعني: يبقى رجل في النسوة والأطفال وغير هؤلاء.
قال: [(له نبيب كنبيب)] أي: طلباً للفاحشة والزنا كطلب التيس.
قال: [(علي أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به.
قال: وما استغفر له ولا سبه)].