كلام الإمام النووي في باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها
يقول الإمام النووي:(في هذه الأحاديث دلالة على من حلف على فعل شيء أو تركه، وكان الحنث خيراً من التمادي على اليمين، استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة، وهذا متفق عليه) يعني: هذه المسألة انعقد عليها الإجماع، فلو أنك حلفت أن تفعل شيئاً أو أن تترك شيئاً لا تفعله، ثم رأيت خلاف ما حلفت هو الخير والبر والتقوى؛ فيستحب لك ترك ما حلفت عليه وفعل الخير، وتلزمك الكفارة حينئذ.
ثم قال:(وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين) يعني: لو حلفت مثلاً: ألا أدخل بيت فلان، فيجوز لي أن أكفر عن هذا اليمين قبل الدخول، ويجوز لي أن أؤخر الكفارة بعد الدخول، أما الكفارة قبل اليمين فعلى أي شيء تكون؟! لا تكون؛ لأنه لا يمين هنالك استلزم الحنث، حتى أكفر قبل الدخول، فأنت الآن جرى في ذهنك فقط ألا تدخل بيت فلان، أنت لم تتلفظ ولم تحلف أنك لا تدخل بيته، فعلى أي شيء تلزم الكفارة؟! لم يحصل يمين، كما أنه لم تحصل مخالفة؛ فحينئذ لا كفارة قبل اليمين، إنما الكفارة دائماً بعد اليمين؛ لأن الكفارة إنما هي كفارة الحنث في اليمين الذي وقع، لا الذي سيقع، وإنما في الذي وقع مني على الحقيقة، فحينئذ أكفر في حالين: إما أن أكفر قبل أن أفعل الخير، وإما إن أكفر بعد فعل الخير.
هناك شخص يقول: أنا مخاصم لأمي من أربعة أشهر وهي مستريحة وأنا كذلك، حلفت يميناً ألا أدخل بيتها نهائياً.
نقول لهذا: كيف تخاصم أمك؟! لو كانت تلك المقاطعة لزوجتك لا تجوز، فما بالك بأمك، يعني: لو حلفت ألا تدخل بيت امرأتك أو بيت أهلها أظن أن هذا أمر منكر، والبر والصلة أن تحنث في يمينك، ويعد هذا من الطاعات، ومن نعم الله عليك، أما هذا المخاصم لأمه منذ أربعة أشهر، وكل واحد منهم مستريح، فأنا أخشى أن تستريح أيها المخاصم لأمك حتى تدخل القبر، فتحاسب على هذا، وتعلم أنها كانت من أعظم المصائب التي ابتليت بها، فكما أن بر الوالدين من أعظم الطاعات، فإن عصيانهما من أكبر الذنوب، وهذا معلوم، فالله تبارك وتعالى قرن طاعة الوالدين بطاعته، وقرن الإحسان إلى الوالدين بتوحيده، فكيف يعد المرء قطيعة أمه من النعم التي تستوجب حمد الله تبارك وتعالى عليها؟ هذه الأمور كلها معكوسة ومخلوطة، لا يمكن أن يجد هذا لا في اليهودية، ولا في النصرانية، لا يمكن أن يجد لهذا الكلام دليلاً أو برهاناً في شريعة نزلت من عند الله عز وجل قط، فضلاً أن يكون ذلك هو دين محمد عليه الصلاة والسلام الذي أتى به إلى الناس كلهم.