[باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الهبات] الهبات: جمع هبة، والهبة هي: كل عطية بغير عوض.
أي: بغير عوض مادي في الدنيا.
كالهبات والصدقات وغير ذلك مما لا ينتظر المتصدق شيئاً مقابلاً وعوضاً عما تصدق به أو وهبه، ولك أن تقول: هي العقود التي بغير عوض، بخلاف عقود المعاوضات، فإنها كل عقد أجري بعوض، كعقود البيع والشراء: أعطيتك داراً في مقابل المال.
أعطيتك مالاً في مقابل الأرض.
أعطيتك مالاً في مقابل السلعة، فإن قولنا: في مقابل كذا، أي: عقد مقابلة، هذا شيء مقابل شيء، فهذا عقد المقابلة، أو عقد المعاوضة، يعني: لا أعطيك شيئاً إلا بعوض، أما عقود الهبات فكلها بغير عوض في الدنيا، أما عوضها فعند الله عز وجل.
إذاً: فالهبات هي: العقود التي بغير عوض.
قال: [باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه].
يعني: لو أنك تصدقت بشيء على فلان فلا يجوز لك أن تشتري هذا الشيء من فلان هذا، لكن لو باعه هذا الرجل إلى غيرك فيجوز لك أن تشتري ما تصدقت به من غير من تصدقت عليه، أما ممن تصدقت به عليه فلا، ربما تكون الحكمة من ذلك أن المتصدَّق عليه إذا ذهب المتصدِّق ليشتري من محل الصدقة، أو محل الهبة، تسامحا في شيء من ثمنها، فربما يكون ثمنها الأصلي ألف دينار، فيبيعها بخمسمائة دينار فقط وليس بألف؛ فأكون قد رجعت في بعض هذه الصدقة مما يوازي ما نقص من ثمنها، وكون المرء يرجع في صدقته هذا أمر منهي عنه، ولذلك الذي يعطي المرأة المخطوبة ذهباً ينوي به هدية، أو هبة، أو صدقة فلا يجوز له أن يرجع فيه والحالة هذه لو أنه فسخ الخطبة؛ لأنه أعطاه لا على سبيل إتمام النكاح، وإجراء هذا الزواج والاستمرار فيه، وإنما أعطاه بنية الهبة؛ لكونها فقيرة أراد أن يتصدق عليها، سواء تم الزواج أو لم يتم لا يأخذ هذا الذهب منها.
وربما استحى أن يقول لها: هذه صدقة عليك وعلى والديك، فقال لها: هذه هدية، أو هذه هبة، أو هذه منحة، وهو ينوي غير ما ينويه عامة الناس، من أن الذهب الذي يقدم للمخطوبة لأجل إتمام الزواج، وفي الغالب أنه من المهر، ولذلك الفرق بين تقديم الذهب لإتمام الزواج وتقديمه هبة أو صدقة؛ أن الأول إذا فسخ الخطبة بسبب منه أو بسبب منها فله أن يسترد الذهب، وإذا قدمه هبة أو صدقة فليس له أن يسترد الذهب، كأنه قال: أنا قدمت الذهب ولا يهمني إتمام هذا الزواج أو عدم إتمامه؛ لأني ما قدمته بنية الزواج أو النكاح، وإنما قدمته لله من باب التعاون أو غير ذلك.