[باب ما يفعل بالمحرم إذا مات]
الباب الرابع عشر: ما يفعل بالمحرم إذا مات.
قال: [عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً خر من بعيره -أي: من فوق بعيره- فوقص فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)].
الجزاء من جنس العمل، فكما أن هذا الرجل كان محرماً، والمحرم تلزمه التلبية، فكذلك إذا مات في حال إحرامه فإنه يبعث على نفس الحال ملبياً.
قال: (اغسلوه بماء وسدر)، وفي هذا جواز استخدام السدر -ورق النبق- وهو له رائحة لكنه لا يستخدم للطيب.
وهذا يدل على حرمة الطيب على المحرم حتى لو كان ميتاً، يستوي في ذلك المحرم الذي مات، والمحرم الذي لم يمت، فإنه يحرم عليهما جميعاً استعمال الطيب، وإن كان طيباً أو له رائحة طيبة وهو لا يقصد التطيب فإنه لا يكره له.
قال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه)، أي: الإزار والرداء، (ولا تخمروا رأسه)، ويقال: كل غطاء للوجه خمار، سواءً كان ذلك في حق الرجل أو المرأة.
أما قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: لا تضعوا شيئاً على رأسه، ودعوه مكشوفاً، والذي لا يضع شيئاً على رأسه من باب أولى لا يضع على الوجه، وقد جاء في الروايات صريحاً: (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)، يعني: اتركوه مكشوفاً، كما يحرم على المحرم أن يضع شيئاً فوق رأسه كالقلنسوة، أو الطاقية أو الغترة أو شيء من هذا، فإنه يحرم عليه بعد الموت ذلك؛ لأنه يبعث على نفس الحال التي قبض ودفن عليها.
ثم علل ذلك بأنه قال: (فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً).
قال: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة)] يعني: في حال إحرامه؛ لأن الإحرام لا تنفك منه إلا بأداء نسكين من أعمال يوم النحر، نزولك من عرفة ومبيتك بمزدلفة، ثم تنطلق بعد شروق الشمس في يوم النحر إلى عرفة، وترمي جمرة العقبة بعد الزوال، أي: بعد ظهر يوم النحر، ثم تحلق أو تذبح الهدي، عندها يحل لك كل شيء إلا النساء، ولا يحل لك النساء إلا بعد الطواف والسعي.
قال: [(بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته، قال أيوب: فأوقصته، أو أقصعته.
وقال عمرو: فوقصته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين)].
وفي رواية: (في ثوبيه)، وهذا يدل على أن الثوبين هنا المقصود بهما: الإزار والرداء.
قال: [(ولا تحنطوه)]؛ لأن الحنوط طيب ويستخدم للطيب؛ ولذلك نهاهم أن يحنطوه بالحنوط، والحنوط في الغالب لا يستخدم إلا للميت، وإن استخدمه الحي جاز ذلك، وعلى أية حال: إذا استخدمه الحي أو الميت فإنما يستخدم لأجل الطيب؛ ولذلك نهاهم أن يطيبوه بالحنوط، وأذن لهم أن يضعوا في ماء غسله السدر؛ لأنه لا يستخدم للطيب عادة.
قال: [(ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)].
وفي رواية: (فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي)، وهذا فيه رحمة عجيبة جداً.
فالرواية التي تقول: (فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) أي: على الحالة التي مات عليها.
وأما قوله: (فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي)، هذا يدل على أنه يبعث وهو يلبي، وإن مات وهو غير ملبٍ؛ لأن المرء في حال إحرامه ينشط فيلبي، ويهمد ويكسل وهو في التلبية، فهب أنه مات في لحظة كسله، فهو لم يمت ملبياً، وإنما مات تاركاً، أو متكاسلاً عن التلبية، فهذا من رحمة الله عز وجل أنه يبعثه وهو يلبي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أقبل رجل حراماً -يعني: محرماً- مع النبي عليه الصلاة والسلام فخر من بعيره فوقص وقصاً فمات، -يعني: انكسر كسراً فمات- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر وألبسوه ثوبيه - الإزار والرداء - ولا تخمروا رأسه، فإنه يأتي يوم القيامة يلبي).
وفي رواية: (ملبياً).
وفي رواية -وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس - (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً).
وفي الرواية الثانية: قال ابن عباس: (أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم محرماً فوقصته ناقته فمات، فقال عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً).
والتلبيد: هو دهن الشعر بشيء لا يؤثر على صحة العبادة، أو صحة الطهارة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد لبد شعره قبل الإحرام، ولكنه استمر معه بعد الإحرام، فإذا مات ملبداً أو ملبياً فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً أو ملبداً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يحدث: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فوقع من ناقته فأقعصته، فأمر النبي صلى ا