إذاً: الإمارة والخلافة العامة في قريش ما بقي في الناس اثنان، وهذا أمر منذ مبعث النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، وأنتم تعلمون أن أبا بكر قرشي، وعمر قرشي، وعثمان قرشي، وعلياً قرشي، والحسن قرشي، ومعاوية بن أبي سفيان قرشي، وكذلك أولاده، وعمر بن عبد العزيز كذلك قرشي، فهؤلاء جميعاً خلفاء راشدون، وهم بلا شك داخلون في هذه الخلافة، بعضهم أحسن خلافة من بعض، وبعضهم كان أقوى من بعض، لكن كلهم كانوا عاملين بالإسلام وهديه، وكلهم يعملون لنصرة الإسلام، وكانوا يتقون الله تعالى فيما ولوا من أمر المسلمين، وبعضهم أفضل من بعض كما قلنا، وكان أفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق، ومن بعده عمر، ومن بعده عثمان، ووقع النزاع في أواخر عهد عثمان في مقتله، ثم أتت الفتن، وكثرت في زمن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقام إليه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! ألست أمير المؤمنين حقاً؟ قال: بلى.
قال: فلِم وقع هذا النزاع في زمنك ولم يقع في زمن أبي بكر وعمر؟ قال: لأن أبا بكر وعمر كانا أميرين على مثلي، وأنا أمير على أمثالكم.
كما قال السلف: أعمالكم عمّالكم.
يعني: كيفما تكونوا يول عليكم.
وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم، فمن زمنه عليه الصلاة والسلام إلى الآن الخلافة في قريش.
وهذا التقرير من الإمام النووي.
يقول: الخلافة منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا -أي: في القرن السادس الهجرية- كلها في قريش، وكانت الخلافة منذ زمنه عليه الصلاة والسلام إلى نهاية القرن السادس تزيد عن اثني عشر خليفة، ولذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: الخلافة اثنا عشر خليفة، وإنما قال:(يتولى فيكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) أي: الموصوفون بالعدل والرشاد، ولا يمنع أن يكون هناك من هو دون ذلك.
قال:(وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم، فمن زمنه عليه الصلاة والسلام إلى الآن الخلافة في قريش).