[رواية أبي بردة عن أبي موسى قصة عمرو بن العاص مع نجاشي الحبشة]
عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشاً، فبعثوا عمراً وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدما عليه وأتياه بالهدية فقبلها وسجدا له ثم قال عمرو: إن أناساً من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك.
فقال: في أرضي؟ قال: نعم.
فبعث إلينا فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد.
أنا خطيبكم اليوم)؛ لأنه آنس من نفسه رشداً.
قال: لا يتكلم أحد مع النجاشي، فأنا الذي أتولى الرد.
قال: (فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس عظيم، وعمرو عن يمينه وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين -أي: في وجهه- وقد قال له عمرو: إنهم لا يسجدون لك) وهذه الخدعة الثالثة.
أي: كما دخلنا وسجدنا لك فهؤلاء لن يسجدوا لك.
قال: (إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين: أن اسجدوا) أي: حينما تدخلون على النجاشي اسجدوا له.
قال: (قلنا: لا نسجد إلا لله عز وجل، فلما انتهينا إلى النجاشي قال: ما منعك أن تسجد؟ قال: لا نسجد إلا لله.
قال: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسولاً وهو الذي بشّر به عيسى عليه السلام فقال: يأتي من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نُشرك به شيئاً، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، فأُعجب النجاشي من قوله، فلما رأى ذلك عمرو قال: أصلح الله الملك! إنهم يخالفونك في ابن مريم).
حينما فشل في هذه تدارك نفسه بسرعة فقال له: هم يخالفونك في عقيدتهم في ابن مريم.
قال: (فقال النجاشي لـ جعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال جعفر: يقول فيه قول الله: هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر.
فتناول النجاشي عوداً من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان! ما يزيد على ما تقولون في ابن مريم ما تزن هذه.
مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشَّر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك) أي: لو أنه يترك البلاد والملك لاستولوا عليه البطارقة.
قال: (ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبِّل نعله.
امكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما.
وكان عمرو رجلاً قصيراً، وكان عمارة رجلاً جميلاً، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشي، فشرب مع عمرو وامرأته).
-أي: عمارة - الخمر، قال: فلما شربوا من الخمر قال عمارة لـ عمرو: مر امرأتك فلتقبلني.
قال عمرو لـ عمارة: ألا تستحي.
فأخذ عمارة عمراً يرمي به في البحر، فجعل عمرو يناشده الله حتى تركه، فحقد عليه عمرو.
وظل يكتمها عمرو بن العاص إلى أن فشلا بين يدي النجاشي، وكان عمارة رجلاً جميلاً ووضيئاً، فقال عمرو للنجاشي: إنك إذا خرجت خلّفك عمارة في أهلك، فدعا بـ عمارة فنفخ في إحليله فصار مع الوحش.
لكن سبقت هذه القصة خدعة، وهذه الخدعة هي مكر عمرو بـ عمارة.
قال: يا عمارة! إنك رجل جميل، فاذهب إلى امرأة النجاشي، فتحدث عندها إذا خرج زوجها، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا.
فخرج عمارة إلى بيت النجاشي، وذهب عمرو إلى موطن الملك وقال للنجاشي: إن عمارة رجل جميل.
إذا خرجت خلّفك في أهلك، وإذا شئت فأرسل إلى بيتك الآن فإنه في بيتك ومع أهلك، فأرسل النجاشي رسولاً إلى بيته، فوجد أن عمارة يتكلم مع امرأته، فصدق النجاشي الخدعة، فأتى به فنفخ في إحليله، وألقاه في البرية مع الوحوش.
قال: ثم ألقوه في جزيرة من جزائر البحر فجن واستوحش مع الوحش.
أي: صار شبيهاً بالوحوش.