ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الأول:(لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)، فقال فيه العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم:(سئل عما يلبسه المحرم فقال: لا يلبس كذا وكذا)، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى؛ لأنه منحصر، وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر، فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يلبس كذا ولا كذا)، يعني: ويلبس ما سواه، وأجمع العلماء على أنه يحرم عليه أن يلبس شيئاً من هذه المذكورات، فيحرم عليه أن يلبس القميص، أو العمامة، أو السروال -الذي هو البنطلون-، أو البرانس، أو الخفاف إلا إن لم يجد نعلين فليقطع الخفين من فوق حتى يشبهان النعل ويلبسهما حينئذ، ولا يلبس من الثياب ما مسه الزعفران أو الورس، يعني: ما مسه الطيب كذلك.
ونبه عليه الصلاة والسلام بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان محيطاً أو مخيطاً معمولاً على قدر البدن أو قدر عضو منه، مثل الجوشن -أي: الفنيلة- والتبان -وهو الشرت- والقفاز -وهو الكفوف- فهذه يمنع للمحرم لبسها، وإن لبسها متعمداً عالماً بالحكم وجب عليه دم.
ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس، وكل ما يقوم مقامهما في ستر الرأس، مما هو في معنى العمامة والبرنس، وحتى العصابة حرام، فلا يجوز له أن يعصب رأسه بعصابة، ولا أن يلفها عليه، وإن اضطر إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية.
ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس، وجورب وغيرها.
والذي ليس معه نعل يقطع الخف ويلبسه، وكذلك يقطع الجزمة.
وإذا تخرق الإزار أو الرداء وأراد المحرم أن يرقعه ويخيطه فله ذلك ولا حرج عليه؛ لأن هذا خيط ليس على قدر العضو، والإزار والرداء مصنوع من خيوط منسوجة بطريقة معينة متداخلة.